فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٨٠
حواري عيسى المسيح وكان هذا البترك سطيس مؤمنا بالله وموحدا وسمع بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزاته وهو مؤمن من قبل مبعثه وظهوره حتى بلغته أخباره صلى الله عليه وسلم وأنه مات فبكى لموته ولزم زاوية الحزن ولم يظهر خبره لاحد مدة من الزمان وقد بنى له صومعة وانفرد بها وجعلها على قارعة الطريق فما مرت به قافلة الا واستخبرها عنه ويسأل عمن جلس بعده للمسلمين خليفة فقالوا أبو بكر الصديق وبلغه موته وولاية عمر ثم بلغه فتوح الشام وقدوم الصحابة إلى مصر وفتحها فلما أرسل صاحب مصر يستنجد صاحب برقة وأرسل أخاه أرسل هذا البترك في مركب يبشره بقدوم اسطفانوس إلى نصرته فلما وصل اليه وبشره فرح بذلك وقال يا أبانا أريد من انعامك أن تسير إلى هؤلاء العرب وتختبر دينهم ونبيهم وتدعوهم إلى الصلح وتعلمهم أن في أيدينا جماعة منهم أخذناهم من ساحل الرملة وقد أنفذت بهم إلى دير الزجاج فان أرادوا أصحابهم أطلقناهم لهم ونعطيهم شيئا من مالنا واعقد لنا ولهم الصلح بأنهم لا يرجعون الينا ولا يتعرضون لنا فقال البترك سأفعل ذلك واني قد قرأت في الكتب السالفة فوجدت فيها ان الله يبعث نبيا من أرض تهامة تعرض عليه مفاتيح الأرض وكنوزها فلا يلتفت إليها ولا يعيرها نظره ولا يختار الا الفقر على الغنى وان أصحابه يتبعون سنته وأنا استخبر حالهم قبل سيري إليهم فقال الملك وكيف تستخبر حالهم يا أبانا قال أيها الملك أرسل بغلة من مراكبك وعليها مركب من ذهب وهو مرصع بالمعادن وتأمر غلمانك أن يسيروا بها ويرسلوها نحو عسكر المسلمين فان أخذوها فنعلم أنهم يحبون الدنيا ولا يريدون الآخرة وان ردوها فنعلم انهم يطلبون ما عند الله قال ففعلوا ذلك وأرسلوها وكانوا في حندس الليل وكان في الحرس شرحبيل بن حسنة فلما رأى البغلة وما عليها من الزينة ضحك وقال إن أعداء الله يريدون اختبارنا ومعرفة أحوالنا ان كنا نطلب الدنيا أو الآخرة فوالله ما منا من يميل إلى ما يفنى وانما يغيتنا فيما يبقى ثم قرأ * (أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * ثم أمسك بعنان البغلة وأطلقها نحو عسكر القبط قال فلما رأوها صلبوا على وجوههم وقال الملك والله بهذا نصروا وخذلنا والله ان أبي كان على بصيرة من أمرهم ثم أمر البترك سطيس ان يتوجه إليهم فمضى فلما قرب منهم رأى أقواما قد هجروا الدنيا فمنهم القارئ ومنهم الذاكر لباسهم الصوف صغيرهم يوقر كبيرهم وكبيرهم يرحم صغيرهم وصوت أحدهم لا يعلو على الآخر الذكر كلامهم والقرآن
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»