الذريعة - آقا بزرگ الطهراني - ج ٥ - الصفحة ١٠٦
الكوفي الكاتب بواسط، الذي ترجمه الشيخ الحر في " أمل الآمل " وكان هو من تلاميذ الوزير على بن عيسى الأربلي قرء عليه مع جمع آخر كتابه " كشف الغمة عن معرفة أحوال الأئمة " قد وجدت هذه الرسالة في الخزانة الغروية بخط مؤلفها الطيبي وعن خطه استنسخت، وقد أورد الطيبي في رسالته هذه تمام ما حكاه له الشيخ زين الدين على بن فاضل المازندراني المجاور بالغري، مؤلف " الفوائد الشمسية " الآتي وما أخبره به مما شاهده من الجزيرة الخضراء الواقعة في البحر الأبيض، وكانت حكايته للطيبي شفاها في الحلة في حادي عشر شوال (699)، وكان قد حكاه قبل ذلك في سامراء للشيخين الفاضلين الشيخ شمس الدين محمد بن نجيح الحلي، والشيخ جلال الدين عبد الله بن حوام الحلي، وسمعه الطيبي منهما أولا في كربلاء، في (15 شعبان - 699) ثم سمعه من الشيخ زين الدين بغير واسطة ثانيا، كما ذكرناه وقد ذكر هو هذه التفاصيل في أول الرسالة المدرجة بعينها في البحار، وذكر القاضي نور الله في " المجالس " أن شيخنا السعيد محمد بن مكي الشهيد في (786) رواه باسناده عن الشيخ زين الدين على المذكور، وقد كتبه بخطه الشريف، وذكر أيضا أن السيد الأمير شمس الدين محمد بن أسد الله التستري. أورد حكاية الجزيرة الخضراء. في طي رسالة فارسية كتبها في اثبات وجود صاحب الزمان عليه السلام، وبيان مصالح غيبته وحكمها، قال وهي رسالة جليلة يجب على المؤمنين محافظتها، وقد ألفها بأمر المغفور له السلطان صاحب قران - يعنى به الشاه طهماسب الأول - وقد مر في (ج 4 - ص 93) " ترجمة الجزيرة الخضراء " للمحقق الكركي المطبوع بالهند، والمصدر باسم الشاه طهماسب ولعل هذه الترجمة هي التي أدرجت في طي رسالة شمس الدين محمد بن أسد الله، أو أنها ترجمة للسيد شمس الدين محمد نفسه أدرجها في رسالته (1).

(١) الذي يظهر من مجموع هذه الحكاية الطويلة أن الجزيرة الخضراء هي غير (جزيرة صاحب الزمان) كما يصرح به في آخر الحكاية، وقد حكى خصوصيات تلك الجزيرة من ادعى أنه رآها بعينه وهو الرجل الجليل الذي لم يعلم اسمه ولم يعرف شخصه قبل مجلس نقله وكان ضيف الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة الذي مات في (٥٦٠) ومكرما عنده، وكانت ضيافة الوزير له مع جمع آخرين في أحدي ليالي شهر الصيام قبل وفاة الوزير بسنين، وكان الوزير يكثر اكرامه في تلك الليلة ويقرب مجلسه ويصغي إليه ويسمع قوله دون سائر الحاضرين فحكى الرجل كيفية وصوله إلى الجزيرة مع أبيه وجمع آخرين من تجار النصارى والمسلمين مفصلا، فسمعه منه الجماعة ولما تم كلامه خرج الوزير إلى خلوة، وطلب واحدا واحدا من الجماعة وأخذ منهم العهد والميثاق بعدم نقل الحكاية لاحد ما دام حيا فكان إذا اجتمع أحد الجماعة مع صاحبه يشير إليه بليلة شهر رمضان ولم يعد أحد منهم حرفا من الحكاية حتى هلك الوزير، وقد حكى هذه الخصوصيات أحد حضار المجلس، السامعين للحكاية والمتعهدين بعدم نقلها في حياة الوزير، وهو الشيخ العالم كمال الدين أحمد بن محمد بن يحيى الأنباري، حكاها في داره بمدينة السلام بغداد للشيخ العالم أبى القاسم بن أبي عمرو عثمان بن عبد الباقي بن أحمد الدمشقي وهذا الشيخ أبو القاسم رواه للشيخ المقري خطير الدين حمزة بن المسيب بن الحارث. ورواه خطير الدين في داره في الظفرية بمدينة السلام أيضا للعالم الحافظ حجة الاسلام سعيد بن أحمد بن الرحني، وقد وجدت هذه الحكاية بهذا الاسناد يعنى برواية سعيد بن أحمد عن خطير الدين عن الشيخ أبى القاسم عن كمال الدين الأنباري. أنه قال كنت في مجلس الوزير يحيى بن هبيرة إلى آخر القضية، وقد كانت الحكاية باسنادها المذكور مكتوبة في آخر نسخة من كتاب " التعازي " تأليف الشريف الزاهد محمد بن علي العلوي الشجري. الذي يروى في أول أحاديث كتابه التعازي عن أبي الحسن على بن العباس بن الوليد البجلي المعاني - والمعاني هذا هو من مشايخ أبى الفرج الأصفهاني الذي توفى (٣٥٦) ومن مشايخ أبى المفضل الشيباني الذي توفى (٣٨٥) فظهر أن عصر مؤلف التعازي المعاصر لأبي الفرج وأبى المفضل مقدم على عصر الوزير ابن هبيرة) بما يقرب من مائتي سنة، فليست هذه الحكاية جزء من كتاب التعازي كما يفصح عن جزئيتها له قول شيخنا في " خاتمة المستدرك ص ٣٧٠ " فإنه قال إن الخبر الذي يذكر فيه بلاد أولاد الحجة عليه السلام من خواص هذا الكتاب. الا أن يكون مراده انه من مختصات هذه النسخة التي وجدها وهو خلاف الظاهر وقد جاء في " ج ٤ - ص ٢٠٥ " أن ذكر البلاد خاتمة لكتاب التعازي مع أنه ليس كذلك لان الحكاية وقعت بعد مضى مائتي سنة تقريبا من تأليف كتاب التعازي فلتصحح العبارة بتبديل جملة (ومختتما له بذكر) بجملة (وألحق بآخره ذكر) وكذلك اشتبه مؤلف الأربعين الذي هو من أصحابنا المجتهدين - كما وصفه المقدس الأردبيلي في آخر " حديقة الشيعة " قبل الخاتمة - فنسب في أربعينه هذا الخبر إلى محمد بن علي العلوي الحسيني (يعنى به الشريف الزاهد العلوي الشجري مؤلف التعازي) وكان منشأ النسبة أنه رآى هذه النسخة من التعازي المكتوب في آخرها هذه الحكاية فحسب أنها جزء الكتاب، ولهذا المنشأ ذكر أيضا المولى الفاضل الملقب بالرضا على بن فتح الله الكاشاني ما نقله عنه المحدث الجزائري في " الأنوار النعمانية " في (النور - ٤٤ - ص ١٤٨) في بلاده عليه السلام من طبع (تبريز - ٣٠١) فقال الجزائري أنه ذكر الفاضل المذكور أنه روى الشريف الزاهد، وساق الحكاية إلى آخرها فان الظاهر أن الفاضل رآها مكتوبة في آخر النسخة فنسبها إلى الشريف الزاهد، غفلة عن عدم ملائمة الطبقة). وبالجملة هذه الحكاية المكتوبة في آخر كتاب التعازي المشتملة على السند المذكور قد نقلها شيخنا العلامة النوري في " الجنة المأوى " وهي الحكاية الثالثة منه، وقد وقع في سندها أغلاط في تواريخ رواياته لان المقتفي لأمر الله استوزر الوزير ابن هبيرة في (٥٤٤) فثبت في وزارته إلى موته، وبعده استوزره المستنجد إلى أن توفى الوزير في (٥٦٠)، وحدث كمال الدين الأنباري بهذه الحكاية بعد وفاة الوزير خوفا من توعيده كما صرح به في آخر الحكاية فيكون تواريخ رواياته بعد وفاة الوزير لا محالة. مع أن الموجود من تواريخ الروايات كلها في حياة الوزير، قال شيخنا في " الجنة المأوى " بعد ذكر الحكاية أنه ذكرها بهذا الاسناد السيد على بن عبد الحميد النيلي في كتابه " السلطان المفرج عن أهل الايمان " ولم أظفر بنسخته فلعل التواريخ فيها صحيحة، وكذلك ذكر أن البياضي أورد مختصر الحكاية في كتابه " الصراط المستقيم " فليرجع إليهما، وبالجملة لم تصل هذه الحكاية إلينا الا بالوجادة، ولم نعرف من أحوال الحاكي لها الا أنه كان رجلا محترما في ذلك المجلس، وقد اشتمل سندها على عدة تواريخ تناقض ما في متنها، واشتمل متنها على أمور عجيبة قابلة للانكار، وما هذا شأنه لا يمكن أن يكون داعي العلماء من ادراجه في كتبهم المعتمدة.
بيان لزوم الاعتماد عليها أو الحكم بصحتها مثلا أو جعل الاعتقاد بصدقها واجبا حاشاهم عن ذلك بل انما غرضهم من نقل هذه الحكايات مجرد الاستيناس بذكر الحبيب وذكر دياره، والاستماع لآثاره مع ما فيها من رفع الاستبعاد عن حياته في دار الدنيا، وبقائه متنعما فيها في أحسن عيش وأفره حال، بل مع السلطنة والملك له ولا ولادة، واستقرارهم في ممالك واسعة هيأ، الله لهم لا يصل إليها من لم يرد الله وصوله وقد احتفظ العلماء بتلك الحكايات في قبال المستهزئين بالدين بقولهم (لم لا يخرج جليس السرداب بعد الف سنة وكيف تمتعه بالدنيا وما اكله وشربه ولبسه وغيرها من لوازم حياته) وهم بذلك القول يبرهنون على ضعف عقولهم، فمن كان عاقلا مؤمنا بالله ورسوله وكتابه يكفيه في اثبات قدرة الله تعالى على تهيئة جميع الأسباب المعيشة في حياة الدنيا له عليه السلام قوله تعالى في الصافات (آية - 141) (ولولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه (الحوت) إلى يوم يبعثون) الصريح في أن يونس لو لم يكن من المسبحين لكان يلبث في بطن الحوت على حاله إلى يوم يبعث سائر البشر. فأخبر الله تعالى بقدرته على ابقاء الحوت الذي التقم يونس، وعلى ابقاء يونس على حاله في بطنه، ولبثه فيه كذلك إلى يوم بعث الناس، واحتمال إرادة موت يونس بارهاق روحه ولبث جسده في بطن الحوت إلى يوم بعثه واحيائه مخالف للظاهر من جهات كما لا يخفى.
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»