سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٦ - الصفحة ٥٤
لي: ما ترى ما يعمل هذا الطاغية، إن الناس معه في سعة، غيرنا أهل العلم.
قلت، لو علمت أنه يصنع بي إحدى الخصلتين لفعلت، إن أمرت ونهيت يقيل أو يقتل، ولكني أخاف أن يبسط علينا العذاب، وأنا شيخ كبير، لا صبر لي على السياط. فقال الصائغ: لكني لا أنتهي عنه، فذهب فدخل عليه، فأمره ونهاه، فقتله.
وذكر بعضهم أن أبا مسلم كان يجتمع - قبل أن يدعو - بإبراهيم الصائغ، ويعده بإقامة الحق، فلما ظهر وبسط يده، دخل عليه فوعظه.
قال محمد بن سلام الجمحي: دخل أبو مسلم على أبي العباس السفاح، فسلم عليه، وعنده أخوه أبو جعفر، فقال له: يا أبا مسلم، هذا أبو جعفر.
فقال، يا أمير المؤمنين هذا موضع لا يؤدى فيه إلا حقك.
وكانت بخراسان فتن عظيمة، وحروب متواترة، فسار الكرماني في جيش، في سنة تسع وعشرين ومئة، فالتقاه سلم بن أحوز المازني، متولي مرو الروذ، فانهزم أولا الكرماني. ثم كر عليهم بالليل فاقتتلوا، ثم إنهم تهادنوا، ثم سار نصر بن سيار، فحاصر الكرماني ستة أشهر، وجرت أمور يطول شرحها (1) أوجبت ظهور أبي مسلم، لخلو الوقت له، فقتل الكرماني، ولحق جموعه شيبان بن مسلمة السدوسي الخارجي المتغلب على سرخس، وطوس، فحاربهم نصر بن سيار نحوا من سنة ونصف. ثم اصطلح نصر وجديع بن الكرماني، على أن يحاربوا أبا مسلم. فإذا فرغوا من حربه، وظهروا عليه، نظروا في أمرهم. فدس أبو مسلم إلى ابن الكرماني يخدعه ويقول: إني معك. فوافقه ابن الكرماني، وانضم إليه، فحاربا نصرا، وعظم الخطب.
ثم إن نصر بن سيار كتب إلى أبي مسلم، أنا أبايعك، وأنا أحق بك من ابن الكرماني، فقوي أمر أبي مسلم، وكثرت جيوشه. ثم عجز عنه نصر، وتقهقر

(1) انظر الحوليات التاريخية: الطبري، وابن الأثير، وابن كثير.
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»