سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١ - الصفحة ٤٥٨
معبد، عن إسماعيل بن عبيد الله قال: قال معاذ بن جبل: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " ستهاجرون إلى الشام، فيفتح لكم، ويكون فيه داء، كالدمل أو كالوخزة يأخذ بمراق الرجل، فيشهد أو فيستشهد الله بكم أنفسكم، ويزكي بها أعمالكم ". اللهم إن كنت تعلم أن معاذا سمعه من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأعطه هو وأهل بيته الحظ الأوفر منه، فأصابهم الطاعون، فلم يبق منهم أحد، فطعن في أصبعه السبابة، فكان يقول: ما يسرني أن لي بها حمر النعم (1).
همام: حدثنا قتادة، ومطر، عن شهر عن (2) عبد الرحمن بن غنم، قال:
وقع الطاعون بالشام، فخطب الناس عمرو بن العاص، فقال: هذا الطاعون رجز، ففروا منه في الأودية والشعاب، فبلغ ذلك شرحبيل بن حسنة، فغضب، وجاء يجر ثوبه، ونعلاه في يده، فقال: صحبت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولكنه رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، ووفاة الصالحين قبلكم. فبلغ ذلك معاذا فقال: اللهم اجعل نصيب آل معاذ الأوفر، فماتت ابنتاه، فدفنهما في قبر واحد. وطعن ابنه عبد الرحمن، فقال، يعني لابنه، لما سأله: كيف تجدك؟
قال: (الحق من ربك فلا تكن من الممترين) [آل عمران: 60] قال:
(ستجدني إن شاء الله من الصابرين) [الصافات: 102] قال: وطعن معاذ في كفه، فجعل يقلبها، ويقول: هي أحب إلي من حمر النعم. فإذا سري عنه، قال: رب! غم غمك، فإنك تعلم أني أحبك.
ورأى رجلا يبكي، قال: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي على دينا كنت أصبتها منك، ولكن أبكي على العلم الذي كنت أصيبه منك، قال: ولا تبكه، فإن

(1) أخرجه أحمد 5 / 241، وذكره الهيثمي في " المجمع " 2 / 311، ونسبه إلى أحمد وقال:
وإسماعيل بن عبيد الله لم يدرك معاذا.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " بن ".
(٤٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 463 ... » »»