ومنها: ما إذا لم تسبق دعوى عن زيد ولا إنكار عن عمرو، فيجئ عند الحاكم ويقول: لزيد كذا وكذا على عمرو، أو يجئ مع زيد ويشترك معه في ذكر استحقاق زيد، ونحو ذلك.
وهذه الصورة الأخيرة هي التي يجب أن لا تسمع فيها الشهادة، لأنها ليست شهادة عرفا، بل هي دعوى فضولية أو تبرعية.
ولعل لذلك طلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) شاهدين من غير الأنصار في القتل المتقدم ذكره (1)، حيث إن جميع الحاضرين من الأنصار كانوا من ذلك القبيل.
ولا يبعد أن تكون هذه الصورة أيضا مراد كثير من القوم، وهو المناسب لاستثناء حق الله، واستدلالهم بأنه لا مدعي بخصوصه، وأنه واجب ونهي عن المنكر، ونحو ذلك.
ثم إن الأكثر - كما أشير إليه - خصوا الرد بما إذا كان من حقوق الآدميين (2)، واختلفوا في حقوق الله المحضة والمشتركة (3)، واستدلوا بالسماع فيها واستثنائها بوجوه بين موهونة أو مشتركة بينها وبين حقوق الآدميين.. وبعد ما عرفت من عدم دليل على الرد في حق الآدمي أيضا فيكون السماع هنا أظهر، ولا حاجة إلى ذكر أدلتهم الموهونة.
نعم، يصح الاستثناء في الصورة الأخيرة - التي ذكرنا عدم القبول فيها في حق الآدمي - من جهة أنه يكون حينئذ مدعيا، ولا تقبل شهادة المدعي، حيث إن عدم قبول شهادة المدعي مخصوص بحق الآدمي، إذ نسبة حق الله سبحانه إلى الجميع واحد، فليس له مدع بل الكل شاهد، ولعل إلى ذلك يشير استدلالهم للاستثناء بأنه لا مدعي لها.