العلل - أحمد بن حنبل - ج ١ - الصفحة ١٥
فقد حكى لنا كتاب الله عن اليهود حينما قالوا لنبيهم موسى: إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون.
وتحكي لنا السيرة الصحيحة أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قائلهم: يا رسول الله: والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا (1)...
قاموا بحفظ هذا الدين عن نبيهم ونقلوه إلى من بعدهم بعدالة تامة وأمانة كاملة.
وليس بخاف على الملم بتاريخ المسلمين الجهد الذي قام به أصحاب النبي صلى الله لجمع القرآن الكريم في مصحف مجمع عليه، فبذلك فرغ من جمع القرآن الكريم وتدوينه في عهد أفضل هذه الأمة نؤمن بأنه موجود بين أيدينا غضا طريا كما أنزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم يحفظه في الصدور صغار هذه الأمة وكبارها من غير أن يأتيه التحريف والتصحيف.
وأما السنة النبوية وإن كانت مدونة كثير منها في زمن الصحابة ولكن كان أكثر اعتمادها على الحفظ ولم تكن مدونة تدوينا كاملا كالقرآن الكريم. فتبدأ مهمة التابعين ومن بعدهم فيقومون بجهود خارقة للعادات لجمع أحاديث نبيهم صلى الله عليه وسلم وضربوا في هذا المضمار أمثالا رائعة تدل على إعجاز هذا الدين الحنيف.
" آثروا قطع المفاوز والقفار على التنعم في الديار والأوطان في طلب السنن في الأمصار وجمعها بالوجل والاسفار والدوران في جميع الأقطار، حتى إن أحدهم ليرحل في الحديث الواحد، الفراسخ البعيدة، وفي الكلمة الواحدة الأيام الكثيرة، لئلا يدخل مضل في السنن شيئا يضل به، وإن

(١) صحيح مسلم ٣: ١٤٠٤، ومسند أحمد 3: 219، 220.
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»