الفوائد الرجالية - السيد بحر العلوم - ج ٣ - الصفحة ١٧٠
وقوع الخلل في ألفاظ حديثه - أحيانا - فان منشأه النقل بالمعنى وقد ثبت جوازه، والغالب عدم تغيير المعنى بما يقع له من الخلل، فلا يخرج حديثه عن الحجية نظرا إلى اشتراط الضبط. وما ذكره الشيخ في (الاستبصار) (1) محمول على منع العمل بما يختص به مع وجود المعارض كما يعلم مما قاله غيره، وما ذكره في غيره (2).
عمار بن ياسر العنسي أبو اليقظان، صحابي ابن صحابي (3) من السابقين الأولين الذين عذبوا

(١) يزيد ما ذكره في الاستبصار في باب السهو في صلاة المغرب من قوله - الذي ذكره آنفا -: (إنه ضعيف فاسد المذهب لا يعمل على ما يختص بروايته).
(٢) أي وما ذكره الشيخ في غير الاستبصار من مصنفاته الفقهية، ولزيادة الاطلاع راجع ما ذكره - سيدنا قدس سره - في (ج ١ ص ٤٠٧) من هذا الكتاب تحت عنوان (بنو موسى) مع تعليقاتنا هناك.
(٣) عمار - هذا - هو ابن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس - وهو زيد - بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان، وبنو مالك بن أدد من مذحج، هكذا نسبه ابن سعد في (الطبقات الكبرى: ج ٣ ص ٢٤٦) طبع بيروت سنة ١٣٧٧ ه‍، وعنه أخذ ابن حجر العسقلاني في (تهذيب التهذيب: ج ٧ ص ٤٠٨) طبع حيدر آباد دكن، ولكن إلى قوله (بن عنس).
وفضل عمار وشهرته تغنينا عن التوسع في أخباره، غير أنا نقتصر على ما ذكره بعض أرباب المعاجم السنية مثل ابن سعد في (الطبقات الكبرى) وابن حجر في في (الإصابة) وفي (تهذيب التهذيب) وابن عبد البر في (الاستيعاب) والجزري في (أسد الغابة) ملخصين ما ذكروه.
قالوا: أبو اليقظان مولى بني مخزوم، وكان قدم ياسر بن عامر وأخواه الحارث ومالك إلى اليمن، وأقام ياسر بمكة وحالف وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها (سمية) بنت خياط فولدت له عمارا فأعتقه أبو حذيفة، فمن هنا هو - عمار - مولى لبني مخزوم وأبوه عدي لا يختلفون في ذلك، وللحلف والولاء اللذين بين بني مخزوم وبين عمار وأبيه ياسر كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب حتى انفتق له فتق في بطنه، ورغموا وكسروا ضلعا من أضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات لا قتلنا به أحدا غير عثمان.
ولم يزل ياسر وعمار مع أبي حذيفة إلى أن مات، وجاء الله بالإسلام فأسلم ياسر وسمية وعمار وأخوه عبد الله بن ياسر، وكان لياسر ابن آخر أكبر من عمار وعبد الله يقال له: (حريث) قتلته بنو الديل في الجاهلية.
كان عمار بن ياسر من المستضعفين الذين يعذبون بمكة ليرجع عن دينه، والمستضعفون قوم لا عشائر لهم بمكة، وليست لهم منعة ولا قوة، فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء بأنصاف النهار ليرجعوا عن دينهم، وقد رؤي عمار متجردا في سراويل، قال بعض من رآه: فنظرت إلى ظهره فيه حبط كثير، فقلت ما هذا؟ قال: هذا مما كانت تعذبني به قريش في رمضاء مكة.
قال الراوي: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، فكان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يمر به ويمر يده على رأسه فيقول: (يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية). ومر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - يوما - - بآل عمار - وهم يعذبون، فقال لهم: (أبشروا - آل عمار - فان موعدكم الجنة) عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر، فلم يتركوه حتى نال من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وذكر آلهتهم بخير، فلما أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، والله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، قال: فكيف تجد قبلك؟ قال:
مطمئن بالإيمان، قال فان عادوا فعد. وقد أجمع المفسرون على أن قوله تعالى:
(إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) نزلت في عمار بن ياسر.
كان عمار بن ياسر قد هاجر إلى أرض الحبشة وصلى القبلتين، وهو من المهاجرين الأولين، ثم شهد بدرا والمشاهد كلها، وأبلى ببدر بلاء حسنا، ثم شهد اليمامة فأبلى فيها أيضا، ويومئذ قطعت أذنه، يقول عبد الله بن عمر: رأيت عمار بن ياسر - يوم اليمامة - على صخرة وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون؟ أنا عمار بن ياسر هلموا إلي، وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تذبذب، وهو يقاتل أشد القتال، وكان فيما ذكر الواقدي - طويلا أشهل بعيد ما بين المنكبين، وفى رواية إن عليا قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن عمارا ملئ إيمانا إلى مشاشه (أخرجه الترمذي وابن ماجة، وسنده حسن). وعن حذيفة رفعه: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (اهتدوا بهدى عمار) وأخرجه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي حسن: وتواترت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن عمارا تقتله الفئة الباغية. وأجمعوا على أنه قتل مع علي - عليه السلام - بصفين سنة سبع وثلاثين في ربيع الأول وله ثلاث وتسعون سنة، ودفن هناك. وعن ابن عباس في قول الله عز وجل: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) قال: عمار بن ياسر (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) قال: أبو جهل بن هشام، وعن عائشة قالت ما من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أشاء أن أقول فيه إلا قلت، إلا عمار بن ياسر فاني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (إن عمار بن ياسر حشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنيه إيمانا). ومن حديث خالد بن الوليد: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
(من أبغض عمارا أبغضه الله تعالى) قال خالد: فما زلت أحبه من يومئذ، وروي من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: (اشتاقت الجنة إلى علي وعمار وسلمان وبلال)، ومن حديث علي - عليه السلام - قال: (جاء عمار يستأذن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما فعرف صوته فقال: مرحبا بالطيب المطيب إئذنوا له)
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 170 171 176 177 178 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب السين سعيد بن مسعدة (الأخفش الأوسط) 5
2 سلار بن عبد العزيز الديلمي (أبو يعلى) 6
3 سلمان الفارسي (المحمدي) مفصل ترجمته، وذكر مناقبه 16
4 سهل بن زياد، الخلاف في توثيقه وتضعيفه، واختيار توثيقه وتصحيح روايته، والتدليل على ذلك 21
5 سهل بن حنيف الأنصاري، ممن أنكر على أبي بكر خلافته، وشهد (صفين) مع أمير المؤمنين (ع) ومات بالكوفة 31
6 سيف بن عميرة، الخلاف في توثيقه وتضعيفه بالوقف واختيار توثيقه، ونفي شبهة الوقف عنه، والتدليل على ذلك 36
7 باب الشين شهاب بن عبد ربه الأسدي، ذكر روايات تدل على توثيقه 53
8 باب العين عبادة بن الصامت الأنصاري ذكر لمحة في إطرائه 56
9 عبد العزيز بن نحرير (القاضي بن البراج) إطراؤه وعرض مؤلفاته 60
10 عبد الأعلى بن أعين العجلي. ذكر ما يدل على حسن حاله 63
11 عبد الله بن النجاشي - صاحب الرسالة - إطراؤه توثيقه 65
12 عبد الله بن يحيى الكاهلي، توثيقه وتصحيح حديثه 67
13 عبيد الله بن الحر الجعفي ترجمته، امتناعه عن نصرة الحسين (ع) ذكر ندمه - أخيرا - والحكم عليه بصحة الاعتقاد وسوء العمل 69
14 عثمان بن حنيف الأنصاري من المنكرين على أبي بكر خلافته 74
15 عثمان الأعمى البصري يروي حديثا يدل على وثاقته 79
16 علان - خال الكليني - الخلاف في اسمه واسم أبيه واستظهار أنه علي بن محمد 79
17 علي بن أحمد بن أبي جيد القمي، توثيقه والاعتماد على حديثه 83
18 علي بن الحسين - الشريف المرتضى - استعراض سلسلة آبائه إلى الإمام الكاظم (ع) من طرفي أبيه وأمه، مدح (المعري) له ولأبيه وأخيه الرضي، وبالتالي: ترجمته من قبل عامة المؤرخين والرجاليين - من الفريقين - وعرض لأساتذته وتلامذته ومؤلفاته في عامة الفنون والعلوم 87
19 علي بن حمزة بن بهمن الأسدي، ترجمة له بسيطة 155
20 علي بن حنظلة ذكر حديث يدل على تعديله 157
21 علي بن عيسى بن الفرج الربعي، من أئمة النحاة 159
22 علي بن محمد بن الزبير القرشي، الخلاف في توثيقه وتضعيفه، واختيار توثيقه 159
23 عمار بن موسى الساباطي، الخلاف في توثيقه وتضعيفه بالفطحية، واختيار: أنه فطي المذهب صحيح الرواية 162
24 عمار بن ياسر العنسي من أعاظم الصحابة المعذبين في الاسلام، مناقبه، قصة تيممه مع عمر بن الخطاب 170
25 عمرو بن عثمان (سيبويه) لمحة عن ترجمته 181
26 باب الفاء الفضل بن عبد الملك (البقباق)، الخلاف في توثيقه وتضعيفه باتهامه بعدم قوله بعصمة الإمام (ع) واختيار توثيقه والدفاع عنه 183
27 باب القاف القاسم بن سلام، من المشاهير في الحديث والأدب واللغة والغريب والفقه 190
28 القاسم بن الإمام موسى الكاظم (ع) تعظيمه، نسبه، زيارته، تعيين قبره 191
29 باب الميم مالك بن التيهان الأنصاري، من أعاظم الصحابة وممن شهد لأمير المؤمنين (ع) بحديث الغدير، ومن المنكرين على أبي بكر خلافته استشهد في (صفين) مع الحق 195
30 محمد بن أحمد بن إبراهيم الكوفي (أبو الفضل الصابوني) ممن أدرك الغيبتين، الخلاف في توثيقه وتضعيفه بالزيدية واستخلاص توثيقه وعرض مؤلفاته الكثيرة 199
31 محمد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي، إطراؤه وعرض مصنفاته الكثيرة، وذكر اتهامه بالقول بالقياس، والخلاف في الأخذ بكتبه من هذه الجهة، واختيار توثيقه واعتبار كتبه، والاجماع على مدحه والدفاع عن قوله بالقياس والتهم الأخرى 205
32 محمد بن الحسن الشيرواني (ملا ميرزا) ذكر مؤلفاته الكثيرة 225
33 محمد بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة)، إحاطته وتصنيفه في عامة العلوم الاسلامية، ذكر مؤلفاته والتعريف بها، ذكر أقوال المؤرخين والرجاليين - من الفريقين - في تعظيمه وتوثيقه، وفاته ومدفنه ومسجده 227
34 محمد بن الحسين بن أبي الفضل القزويني، التعريف به، الخلاف في أن القزويني والكيدري واحد أم اثنان، واستظهار أنه واحد 240
35 محمد بن سنان، الهمداني، من أصحاب الأئمة الأربعة: الكاظم والرضا والجواد والهادي (ع) الخلاف في اسمه، وفي توثيقه وتضعيفه بالكذب والغلو، واستنتاج توثيقه وعلو شأنه، وبرائته من التهم الملصقة به، والجواب عنها - تفصيلا - 249
36 محمد بن شجاع القطان، مدحه وقبول رواياته 278
37 محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار، من رجال (نوادر الحكمة)، التحقيق في أن محمد بن سالم هو محمد بن عبد الحميد - هذا - توثيقه، وتوثيق أبيه، والجواب عن القول بقدحه 280
38 محمد بن عبد الواحد (أبو عمرو الزاهد (غلام ثعلب) من أئمة اللغة 292
39 محمد بن علي... بن بابويه القمي (الشيخ الصدوق) ثناء الامام - صاحب الأمر (ع) عليه ذكر كتابه (الفقيه) وتفضيله على غيره من كتب الأخبار 292
40 محمد بن علي، (القاضي الكراجكي) لمحة عن كتابه (كنز الفوائد)، عرض لمشائخه وتلامذته، وطرق رواياته 302
41 محمد بن علي (ماجيلويه) القمي شيخ الصدوق مشائخه وتلامذته 308
42 محمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد) تلامذته وشيوخه، محاججاته مع العامة، مكاتبات الإمام الحجة (ع) له، تحقيق ولادته ووفاته ومقدار عمره. نسبه 311
43 محمد بن المستنير النحوي المعروف (قطرب) 324
44 محمد بن يعقوب (أبو جعفر الكليني)، الثناء عليه من عامة الرجالين والمؤرخين، والتعريف بكتابه (الكافي) وبقية مصنفاته، الخلاف في زمان وفاته، ومكان قبره 325
45 مسعدة بن صدقة العبدي، من رواة الصادق والكاظم (ع) الخلاف في توثيقه، واتهامه بالبترية والعامية 336
46 معلى بن محمد البصري، الخلاف في تعديله واضطراب مذهبه 339
47 المفضل بن مزيد، ذكر حديثين دالين على تشيعه ومدحه 341
48 المقداد بن عمرو بن ثعلبة (الكندي). من أعاظم الصحابة، والسابقين 342