المسألة الثامنة عشرة القائلون بأنه لا ينعقد الاجماع إلا عن مستند اختلفوا في جواز انعقاده عن الاجتهاد والقياس. فجوزه الأكثرون، لكن اختلفوا في الوقوع نفيا وإثباتا.
والقائلون بثبوته اختلفوا فمنهم من قال إن الاجماع مع ذلك يكون حجة تحرم مخالفته، وهم الأكثرون، ومنهم من قال لا تحرم مخالفته، لان القول بالاجتهاد في ذلك يفتح باب الاجتهاد ولا يحرمه.
وذهبت الشيعة وداود الظاهري وابن جرير الطبري إلى المنع من ذلك.
ومن الناس من قال بجواز ذلك بالقياس الجلي دون الخفي.
والمختار جوازه ووقوعه. وأنه حجة تمتنع مخالفته.
أما دليل الجواز العقلي، فهو أنا قد وجدنا الخلق الكثير الزائد على عدد التواتر مجمعين على أحكام باطلة لا تستند إلى دليل قطعي ولا دليل ظني، كما ذكرناه في مسألة تصور انعقاد الاجماع. فجواز انعقاد الاجماع عن الدليل الظني الظاهر أولى كيف وأنا لو قدرنا وقوع ذلك لما لزم عنه لذاته محال عقلا، ولا معنى للجائز سوى هذا.
وأما دليل الوقوع فهو أن الصحابة أجمعت على إمامة أبي بكر من طريق الاجتهاد والرأي، حتى قال جماعة منهم رضيه رسول الله لديننا، أفلا نرضاه لدنيانا؟
وقال بعضهم: إن تولوها أبا بكر، تجدوه قويا في أمر الله، ضعيفا في بدنه وأيضا فإنهم اتفقوا على قتال مانعي الزكاة بطريق الاجتهاد، حتى قال أبو بكر:
والله لا فرقت بين ما جمع الله، قال الله أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة.
وأجمعوا على تحريم شحم الخنزير قياسا على تحريم لحمه، وأجمعوا على إراقة الشيرج والدبس السيال، إذا وقعت فيه فأرة وماتت، قياسا على فأرة السمن، وعلى تأمير خالد بن الوليد في موضع كانوا فيه باجتهادهم.