الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٦٥
فلو كان لأحدكم مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وقد قال قوم: إنه لا يكون صاحبا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة لكن من تكررت صحبه.
قال أبو محمد: وهذا خطأ بيقين لأنه قول بلا برهان، ثم نسأل قائله عن حد التكرار الذي ذكر، وعن مدة الزمان الذي اشترط، فإن حد في ذلك حدا كان زائدا في التحكم بالباطل، وإن لم يجد في ذلك حدا كان قائلا بما لا علم له به، وكفى بهذا ضلالا، وبرهان بطلان قوله أيضا، إن اسم الصحبة في اللغة إنما هو لمن ضمته مع آخر حالة ما، فإنه قد صحبه فيها، فلما كان من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غير منابذ له ولا جاحد لنبوته قد صحبه في ذلك الوقت، وجب أن يسمى صاحبا، وأما التابعون ومن بعدهم فإنما لنا ظواهر أحوالهم، إذ لا شهادة من الله تعالى لاحد منهم بالنجاة، وليس كل التابعين فمن بعدهم عدلا، فإنما يراعى أحوالهم، فمن ظهر منه الفضل والعلم فهو مقبول النقل.
قال أبو محمد: وقد غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن بحنين في اثني عشر ألف مقاتل كلهم يقع عليهم اسم الصحبة، ثم غزا تبوك في أكثر من ذلك، ووفد عليه جميع البطون من جميع قبائل العرب وكلهم صاحب، وعددهم بلا شك يبلغ أزيد من ثلاثين ألف إنسان ووفد عليه صلى الله عليه وسلم وفود الجن فأسلموا وصح لهم اسم الصحبة، وأخذوا عنه صلى الله عليه وسلم القرآن وشرائع الاسلام وكل من ذكرنا ممن لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ عنه، فكل امرئ منهم، إنسهم وجنهم، فلا شك أفتى أهله وجيرانه وقومه. هذا أمر يعلم ضرورة ثم لم ترو الفتيا في العبادات والاحكام إلا عن مائة ونيف وثلاثين منهم فقط من رجل وامرأة بعد التقصي الشديد، فكيف يسع من له رمق من عقل، أو مسكة من دين وشعبة من حياء أن يدعي عليهم الاجماع فيما لا يوقن أن جميعهم قال به وعلمه، لا سيما وإنما ننازعهم في دعوى الاجماع عليهم في الخطأ المخالف لكلام الله عز وجل في القرآن، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا هو العجب وفيما ذكرنا يقين العلم بكذب من ادعى الاجماع على ما يمكن أن يخفى من أحكام القرآن والسنن فكيف على خلاف القرآن والسنن.
قال أبو محمد: وهذا حين نذكر إن شاء الله تعالى اسم كل من روى عن مسألة
(٦٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 660 661 662 663 664 665 666 667 668 669 670 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722