الاحكام - ابن حزم - ج ٤ - الصفحة ٤٣٤
ويفعل الأقل فضلا؟ فأعلمناه عليه السلام يفعل ذلك رفقا منه، كما أخبر عليه السلام أنه لولا رجال من أصحابه لا يتخلفون عنه أصلا، وأنه لا يجد ما يحملهم عليه ما تخلف عن سرية يوجهها في سبيل الله، فأخبر عليه السلام أنه يتخلف عن الجهاد وهو أفضل، خوفا أن يشق على أمته، وهذا كثير.
قال أبو محمد: وأما إذا لم يعلم أي الحكمين قبل: الامر أم الفعل؟ فإنا نأخذ بالزائد، كما فعلنا في نهيه عليه السلام عن الشرب قائما، وروي عنه عليه السلام أنه شرب قائما، وفي نهيه عليه السلام عن الاستلقاء ووضع رجل على رجل، وروي عنه أنه عليه السلام رئي مضطجعا في المسجد كذلك، فأخذنا ههنا بالزائد، وهو النهي في كلا الموضوعين، لان الأصل إباحة الاضطجاع على كل حال والاستلقاء كما يشاء، وإباحة الشرب على كل حال، فقد تيقنا أننا نقلنا عن هذه الإباحة إلى نهي عن كلا الامرين بلا شك في ذلك، ثم لا ندري هل نسخ ذلك النهي أولا؟ ولا يحل لمسلم أن يترك شيئا هو على يقين من أنه قد لزمه، لشئ لا يدري أهو ناسخ أم لا؟ واليقين لا يبطل بالشك، والظن لا يغني من الحق شيئا، فنحن على ما صح لدينا أنه قد لزمنا، حتى يقيم المدعي لبطلانه - علينا البرهان في صحة دعواه، وإلا فهي ساقطة، وبالله تعالى التوفيق.
وهكذا قلنا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مما يليك مع ما قد صح من تتبعه الدباء من نواحي القصعة ولا فرق، على أن هذا الخبر ليس فيه أنه عليه السلام تناول الدباء مما لا يليه، بل يمكن تتبعه من نواحي الصحفة مما يليه، وليس هكذا الأقوال، فإنه صلى الله عليه وسلم إذا قال قولا فيه إباحة، ثم جاء بعد عموم تحريم، إلا أنه ممكن استثناء إباحة قبل، فواجب ضم القولين جميعا إلى واحد، واستثناء الأقل من الأكثر، لان القول بيان جلي، وليس في الفعل بيان المراد: لا بتخصيص ولا بغيره.
قال أبو محمد: فالحاصل من هذا أن القولين إذا تعارضا، وأمكن أن يستثنى أحدهما من الآخر، فيستعملان جميعا لم يجز غير ذلك، وسواء أيقنا أيهما أول أو لم نوقن، ولا يجوز القول بالنسخ في ذلك، إلا ببرهان جلي من نص أو إجماع
(٤٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 439 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الرابع عشر: في أقل الجمع 391
2 فصل: من الخطاب الوارد بلفظ الجمع 396
3 الباب الخامس عشر: في الاستثناء 397
4 فصل واختلفوا في نوع من الاستثناء 402
5 فصل: من الاستثناء 407
6 الباب السادس عشر: في الكناية بالضمير 412
7 الباب السابع عشر: في الإشارة 412
8 الباب الثامن عشر: في المجاز والتشبيه 413
9 فصل في التشبيه 421
10 الباب التاسع عشر: في أفعال رسول الله (ص) وفى الشئ يراه أو يبلغه فيقره صامتا عليه لا يأمر به ولا ينهى عنه 422
11 باب الكلام في النسخ وهو الموفي عشرين 438
12 فصل: الأوامر في نسخها وإثباتها تنقسم أقساما أربعة 440
13 فصل: في رد المؤلف على القائلين - وقد ذكر النسخ وارتفاع اللفظ المنسوخ: وهذا وجه من وجوه الحكمة 442
14 فصل: في قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسأها) 443
15 فصل اختلف الناس في النسخ على ما يقع أعلى الأمر أم على المأمور به؟ 443
16 فصل وقد تشكك قوم في معاني النسخ والتخصيص والاستثناء 444
17 فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه 445
18 فصل فيما يجوز فيه النسخ وفيما لا يجوز فيه النسخ 448
19 فصل هل يجوز نسخ الناسخ 455
20 فصل في مناقل النسخ 456
21 فصل في آية ينسخ بعضها ما حكم سائرها؟ 457
22 فصل في كيف يعلم المنسوخ والناسخ مما ليس منسوخا 458
23 فصل ولا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب والناسخة متأخرة فيه 465
24 فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف 466
25 فصل في نسخ الشئ قبل أن يعمل به 472
26 فصل في نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن 477
27 فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل 483
28 فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي 485
29 فصل في النسخ بالإجماع 488
30 فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس 488
31 الباب الحادي والعشرون: في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه وبين المتشابه في الأحكام 489
32 الباب الثاني والعشرون: في الاجماع وعن أي شئ يكون الاجماع وكيف ينقل الاجماع 494
33 فصل ثم اختلف الناس في وجوه من الاجماع 506
34 ذكر الكلام في الاجماع إجماع من هو؟ إجماع الصحابة أم الاعصار بعدهم وأي شئ هو الاجماع وبأي شئ يعرف أنه إجماع 509
35 فصل فيمن قال إن الاجماع لا يجوز لأحد خلافه 512
36 فصل وأما من قال بمراعاة انقراض العصر في الاجماع 513
37 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما 515
38 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما ثم أجمع أهل عصر ثان على أحد الأقوال التي اختلفت عليها أهل العصر الماضي 515
39 فصل وأما قول من قال إن افترق أهل العصر على أقوال كثيرة 516
40 فصل فيمن قال مالا يعرف فيه خلاف فهو إجماع وبسط الكلام فيما هو اجماع وفيما ليس إجماع 529
41 فصل فيمن قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن يعدم لا يعد خلافا وأن قول من سواه فيما خالفهم فيه إجماع 544
42 فصل في قول من قال قول الأكثر هو الاجماع ولا يعتد بقول الأقل 552
43 فصل: في إبطال قول من قال الاجماع هو إجماع أهل المدينة 552
44 فصل: فيمن قال ان الاجماع هو إجماع أهل الكوفة 566
45 فصل: في إبطال قول من قال أن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع وإن ظهر خلافه في العصر الثاني 566
46 فصل: وأما من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبى حنيفة الخ 572
47 فصل: وتكلموا أيضا في معنى نسبوه إلى الاجماع 579
48 فصل: واختلفوا هل يدخل أهل الأهواء في الاجماع أم لا؟ 580