الاحكام - ابن حزم - ج ٤ - الصفحة ٤١٧
في حي، وأن الحي هو الحساس المتحرك بإرادة، وأن المميز هو بعض الحي لا كله، وأن حد التمييز هو إمكان معرفة الأشياء على ما هي عليه، وإمكان التصرف في الصناعات والأعمال المختلفة بإرادة، وأيقنا أن كل هذه الصفات ليست الأرض، ولا الأفلاك، ولا الجبال له حاملة، علمنا أن هذه اللفظة، التي أخبرنا بها تعالى عن هذه التي ليست أحياء، لفظة منقولة عن معهودها عندنا إلى معان أخر من صفات هذه الأشياء المخبر عنها، الموجودة فيها على الحقيقة، ومن تعدى هذه الطريقة فقد لبس الأشياء، ورام إطفاء نور الله تعالى الموضوع فينا.
وبالجملة فمن أراد إخراج الأمور عن حقائقها في المبادئ، ثم عن حقائقها في المعاهد فينبغي أن يتهم في دينه، وسوء أغراضه، فإن سلم من ذلك فلا بد من وصمة في عقله، أو قوة في جهله، إلا أن هذا كله لا يعتر ض على الوجه الأول، لان الانطاق الذي كان وضعه الله تعالى فيها حينئذ قد سلبها إياه، إذ أبت قبول الأمانة، وإنما يعترض بهذا كله على من يقول: إنها باقية على نطقها إلى اليوم، فهذا باطل لا شك فيه بما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق.
وقد ذكر رجل من المالكيين - يلقب خويز منداد: أن للحجارة عقلا، ولعل تمييزه يقرب من تمييزها، وقد شبه الله قوما زاغوا عن الحق بالانعام وصدق تعالى، إذ قضى أنه أضل سبيلا منها، فإن الانعام لا تعدوا ما رتبها ربها لها من طلب الغذاء، وإرادة بقاء النوع، وكراهة فسادها بعد كونها، وهؤلاء رتبهم خالقهم عز وجل ليعرفوا قدرته، وإنها بخلاف قدرة من خلق، وليعرفوا رتبة ما خلق على ما هي عليه، فبعدوا ذلك، فمن مشبه قدرة ربه تعالى بقدرة المخلوقين ومن مريد أن يجرى على ربه تعالى حكم عقله فيصرفه به، تعالى الله عما يقول أهل الظلم علوا كبيرا. ومن مفسد رتب المخلوقات، وساع في إبطال حدودها، وإفساد الاستدلال بها على التوحيد وكل حزب بما لديهم فرحون وسيرد الجميع إلى عالم الغيب والشهادة فيحكم بيننا فيما فيه نختلف، وتالله لتطولن ندامة من لم يجعل حظه من الدين والعلم إلا نصر قول فلان بعينه، ولا يبالي ما أفسد من الحقائق في تلك السبيل العضلة، وبالله تعالى نعوذ من الخذلان، فقال هذا الجاهل: إن من الدليل على أن الحجارة تعقل قوله تعالى: * (إن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار
(٤١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الرابع عشر: في أقل الجمع 391
2 فصل: من الخطاب الوارد بلفظ الجمع 396
3 الباب الخامس عشر: في الاستثناء 397
4 فصل واختلفوا في نوع من الاستثناء 402
5 فصل: من الاستثناء 407
6 الباب السادس عشر: في الكناية بالضمير 412
7 الباب السابع عشر: في الإشارة 412
8 الباب الثامن عشر: في المجاز والتشبيه 413
9 فصل في التشبيه 421
10 الباب التاسع عشر: في أفعال رسول الله (ص) وفى الشئ يراه أو يبلغه فيقره صامتا عليه لا يأمر به ولا ينهى عنه 422
11 باب الكلام في النسخ وهو الموفي عشرين 438
12 فصل: الأوامر في نسخها وإثباتها تنقسم أقساما أربعة 440
13 فصل: في رد المؤلف على القائلين - وقد ذكر النسخ وارتفاع اللفظ المنسوخ: وهذا وجه من وجوه الحكمة 442
14 فصل: في قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسأها) 443
15 فصل اختلف الناس في النسخ على ما يقع أعلى الأمر أم على المأمور به؟ 443
16 فصل وقد تشكك قوم في معاني النسخ والتخصيص والاستثناء 444
17 فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه 445
18 فصل فيما يجوز فيه النسخ وفيما لا يجوز فيه النسخ 448
19 فصل هل يجوز نسخ الناسخ 455
20 فصل في مناقل النسخ 456
21 فصل في آية ينسخ بعضها ما حكم سائرها؟ 457
22 فصل في كيف يعلم المنسوخ والناسخ مما ليس منسوخا 458
23 فصل ولا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب والناسخة متأخرة فيه 465
24 فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف 466
25 فصل في نسخ الشئ قبل أن يعمل به 472
26 فصل في نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن 477
27 فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل 483
28 فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي 485
29 فصل في النسخ بالإجماع 488
30 فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس 488
31 الباب الحادي والعشرون: في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه وبين المتشابه في الأحكام 489
32 الباب الثاني والعشرون: في الاجماع وعن أي شئ يكون الاجماع وكيف ينقل الاجماع 494
33 فصل ثم اختلف الناس في وجوه من الاجماع 506
34 ذكر الكلام في الاجماع إجماع من هو؟ إجماع الصحابة أم الاعصار بعدهم وأي شئ هو الاجماع وبأي شئ يعرف أنه إجماع 509
35 فصل فيمن قال إن الاجماع لا يجوز لأحد خلافه 512
36 فصل وأما من قال بمراعاة انقراض العصر في الاجماع 513
37 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما 515
38 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما ثم أجمع أهل عصر ثان على أحد الأقوال التي اختلفت عليها أهل العصر الماضي 515
39 فصل وأما قول من قال إن افترق أهل العصر على أقوال كثيرة 516
40 فصل فيمن قال مالا يعرف فيه خلاف فهو إجماع وبسط الكلام فيما هو اجماع وفيما ليس إجماع 529
41 فصل فيمن قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن يعدم لا يعد خلافا وأن قول من سواه فيما خالفهم فيه إجماع 544
42 فصل في قول من قال قول الأكثر هو الاجماع ولا يعتد بقول الأقل 552
43 فصل: في إبطال قول من قال الاجماع هو إجماع أهل المدينة 552
44 فصل: فيمن قال ان الاجماع هو إجماع أهل الكوفة 566
45 فصل: في إبطال قول من قال أن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع وإن ظهر خلافه في العصر الثاني 566
46 فصل: وأما من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبى حنيفة الخ 572
47 فصل: وتكلموا أيضا في معنى نسبوه إلى الاجماع 579
48 فصل: واختلفوا هل يدخل أهل الأهواء في الاجماع أم لا؟ 580