الاحكام - ابن حزم - ج ٤ - الصفحة ٥٤٨
وهذه النصوص التي أوردناها هي قرآن منزل، أو أثر في غاية الصحة منقول نقل التواتر، وكلاهما في غاية البيان، فالأقل في الدين هم أهل الحق، وأن أكثر الناس على ضلال وعلى جهل، وأن الواحد قد يكون هو المصيب، وجميع الناس هم على باطل، لا تحتمل هذه النصوص شيئا غير هذا البتة، فلو صحت تلك الآثار التي قدمنا، لوجب ضرورة أنها ليست في الدين، لكن في شئ آخر، وبالضرورة تدري أنها ليست على عمومها، لان انفراد الرجل وحده في بيته غير منكر:
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده.
وبرهان كاف قاطع لكل من له أقل فهم في أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد قط بالجماعة المذكورة كثرة العدد لا يشك في ذلك، لان النصارى جماعة واليهود جماعة، والمجوس وعباد النار جماعة، أفترونه صلى الله عليه وسلم أراد هذه الجماعات؟ حاشا لله من هذا، فإن قالوا: إنما أراد جميع المسلمين، قلنا: فإن المنتمين إلى الاسلام فرق، فالخوارج جماعة، والروافض جماعة، والمرجئة جماعة، والمعتزلة جماعة، أفترونه عليه السلام أراد شيئا من هذه الجماعات؟ حاشا له من ذلك. فإن قالوا: إنما أراد أهل السنة، قلنا: أهل السنة فرق، فالحنفية جماعة، والمالكية جماعة، والشافعية جماعة، وأصحاب الحديث الذين لا يتعدونه جماعة فأي هذه الجماعات أراد صلى الله عليه وسلم؟ وليس بعضها أولى بصحة الدعوى من بعض، فصح يقينا قطعا كما أن الشمس طالعة من مشرقها أنه عليه السلام لم يرد قط إلا جماعة أهل الحق، وهم المتبعون للقرآن، ولما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من بيانه للقرآن بقوله وفعله. وهذه هي طريق جميع الصحابة رضي الله عنهم، وخيار التابعين من بعدهم، حتى حدث التقليد المهلك، فإذا لا شك في كل هذا، وقد بينا أن أمره عليه السلام بلزوم الجماعة، إنما أراد يقينا أهل الحق، وإن كانوا أقل من أهل الباطل بلا شك، لم يرد كثرة العدد قط.
فلنتكلم بعون الله تعالى وقوته على ما في تلك الآثار، من أن الشيطان مع الفذ أو الواحد، وهو من الاثنين أبعد. وقد أوضحنا بما لا إشكال فيه، أنه عليه السلام لم يرد بذلك الدين، بما لو أوردنا آنفا من النصوص، وببرهان آخر، وهو قوله:
(٥٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 543 544 545 546 547 548 549 550 551 552 553 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الرابع عشر: في أقل الجمع 391
2 فصل: من الخطاب الوارد بلفظ الجمع 396
3 الباب الخامس عشر: في الاستثناء 397
4 فصل واختلفوا في نوع من الاستثناء 402
5 فصل: من الاستثناء 407
6 الباب السادس عشر: في الكناية بالضمير 412
7 الباب السابع عشر: في الإشارة 412
8 الباب الثامن عشر: في المجاز والتشبيه 413
9 فصل في التشبيه 421
10 الباب التاسع عشر: في أفعال رسول الله (ص) وفى الشئ يراه أو يبلغه فيقره صامتا عليه لا يأمر به ولا ينهى عنه 422
11 باب الكلام في النسخ وهو الموفي عشرين 438
12 فصل: الأوامر في نسخها وإثباتها تنقسم أقساما أربعة 440
13 فصل: في رد المؤلف على القائلين - وقد ذكر النسخ وارتفاع اللفظ المنسوخ: وهذا وجه من وجوه الحكمة 442
14 فصل: في قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسأها) 443
15 فصل اختلف الناس في النسخ على ما يقع أعلى الأمر أم على المأمور به؟ 443
16 فصل وقد تشكك قوم في معاني النسخ والتخصيص والاستثناء 444
17 فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه 445
18 فصل فيما يجوز فيه النسخ وفيما لا يجوز فيه النسخ 448
19 فصل هل يجوز نسخ الناسخ 455
20 فصل في مناقل النسخ 456
21 فصل في آية ينسخ بعضها ما حكم سائرها؟ 457
22 فصل في كيف يعلم المنسوخ والناسخ مما ليس منسوخا 458
23 فصل ولا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب والناسخة متأخرة فيه 465
24 فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف 466
25 فصل في نسخ الشئ قبل أن يعمل به 472
26 فصل في نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن 477
27 فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل 483
28 فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي 485
29 فصل في النسخ بالإجماع 488
30 فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس 488
31 الباب الحادي والعشرون: في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه وبين المتشابه في الأحكام 489
32 الباب الثاني والعشرون: في الاجماع وعن أي شئ يكون الاجماع وكيف ينقل الاجماع 494
33 فصل ثم اختلف الناس في وجوه من الاجماع 506
34 ذكر الكلام في الاجماع إجماع من هو؟ إجماع الصحابة أم الاعصار بعدهم وأي شئ هو الاجماع وبأي شئ يعرف أنه إجماع 509
35 فصل فيمن قال إن الاجماع لا يجوز لأحد خلافه 512
36 فصل وأما من قال بمراعاة انقراض العصر في الاجماع 513
37 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما 515
38 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما ثم أجمع أهل عصر ثان على أحد الأقوال التي اختلفت عليها أهل العصر الماضي 515
39 فصل وأما قول من قال إن افترق أهل العصر على أقوال كثيرة 516
40 فصل فيمن قال مالا يعرف فيه خلاف فهو إجماع وبسط الكلام فيما هو اجماع وفيما ليس إجماع 529
41 فصل فيمن قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن يعدم لا يعد خلافا وأن قول من سواه فيما خالفهم فيه إجماع 544
42 فصل في قول من قال قول الأكثر هو الاجماع ولا يعتد بقول الأقل 552
43 فصل: في إبطال قول من قال الاجماع هو إجماع أهل المدينة 552
44 فصل: فيمن قال ان الاجماع هو إجماع أهل الكوفة 566
45 فصل: في إبطال قول من قال أن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع وإن ظهر خلافه في العصر الثاني 566
46 فصل: وأما من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبى حنيفة الخ 572
47 فصل: وتكلموا أيضا في معنى نسبوه إلى الاجماع 579
48 فصل: واختلفوا هل يدخل أهل الأهواء في الاجماع أم لا؟ 580