الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢١٨
قالوا: ليس عليه العمل. ورووا أنه عليه السلام سجد في: * (إذا السماء انشقت) * فقالوا: ليس عليه العمل. ورووا أنه صلى الله عليه وسلم: صلى بالناس جالسا وهم جلوس وراءه فقالوا: صلاة من صلى كذلك باطل، وليس عليه العمل، ورووا أن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه ابتدأ بالصلاة بالناس فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فدخل فجلس إلى جنب أبي بكر رضي الله عنه فأتم عليه الصلاة بالناس، فقالوا: ليس عليه العمل، ومن صلى هكذا بطلت صلاته، ومن البديع أن بعضهم قال: صلاته عليه السلام في غزوة تبوك خلف عبد الرحمن بن عوف ناسخة لهذا العمل.
قال علي: وهذا كلام لو قيل لقائله أسف ما شئت واجتهد ما قدر بأن يأتي بأكثر مما أتى به لوجهين: أحدهما: أن صلاته عليه السلام خلف عبد الرحمن بن عوف - التي ادعوا أنها ناسخة - كانت في تبوك، وصلاته عليه السلام إلى جنب أبي بكر - التي ادعوا أنها منسوخة - كانت قبل موته عليه السلام بخمس ليال فقط، وهي آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فكيف ينسخ أمر كان قبل موته عليه السلام بأشهر، أمرا كان قبل موته عليه السلام بخمس ليال؟ أيفوه بهذا من له مسكة عقل، أو يحل لمن هذا مقدار علمه وعقله أن يتكلم في دين الله عز وجل؟ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا يقول: إن الله لا ينزع العلم بعد إذ أعطاهموه انتزاعا، ولكن ينزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون.
قال علي: والوجه الثاني من سقوط كلام هذا الجاهل: أنه حتى لو كانت صلاته عليه السلام خلف عبد الرحمن بعد صلاته خلف أبي بكر، ما كان فيها نسخ لها، لأنه ليس في صلاته خلف عبد الرحمن نهي عما في صلاته خلف أبي بكر ولا مخالفة، بل هو حكم آخر، وعلم آخر، وفي الاحتجاج المذكور عبرة لمن اعتبر، ولهم مثله كثير.
ورووا أنه عليه السلام: جمع بين الظهر والعصر في غير خوف ولا سفر، فقال مالك: أرى ذلك كان من مطر. فقالوا: ليس عليه العمل لا في مطر ولا في غيره، ورووا أنه عليه السلام أتي بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه ونضحه ولم يغسله. فقالوا: ليس عليه العمل، وهذا لا يطهر الثوب، ومن صلى بثوب هذا
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258