الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢٤٤
الله عليهم، أن هذا الخبر ما يدخل تصحيحه في عقل سليم؟ وما حدث الحسن، والله أعلم بهذا الحديث إلا على وجه التكذيب له، لا يجوز غير ذلك.
ثم نقول لهم: لو صح - وهو لا يصح - لكان حجة على المالكيين، لأنه خلاف مذهبهم في صدقة الفطر، لأنهم يرون أنه لا يجزي فيها من البر إلا صاع فعاد حجة عليهم، ولا أضل ممن يحتج بما لا يصح نعوذ بالله من الخذلان، وإنما يصح هذا الحديث بخلاف اللفظ المذكور، لكن كما حدثنا عبد الله بن ربيع، ثنا محمد بن معاوية، ثنا أحمد بن شعيب، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا حماد - هو ابن زيد - عن أيوب السختياني، عن أبي رجاء - هو العطاردي - قال: سمعت ابن عباس يخطب على منبركم - يعني منبر البصرة - يقول: صدقة الفطر صاع من طعام.
وقد موه بعضهم بأن قال: إن أهل المدينة هم شهدوا آخر عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال علي: وهذا قول رجل جاهل أو مدلس، لا بد له ضرورة من أحد الوجهين، فإن كان جاهلا وكان هذا مقداره من العلم فما كان في وسعه أن يفتي في دين الله عز وجل، وإن كان هذا مستحيلا للتلبيس في دين الله تعالى، فهذا أخبث وأنتن.
قال علي: وهذا كلام يبطل من وجهين ضروريين، أحدهما: أننا قد بينا في هذا الباب أنهم أترك الناس لآخر عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم والثاني: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا كلهم مدنيين طول مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدة أبي بكر وإنما سكنوا الشام والبصرة والكوفة في صدر خلافة عمر رضوان الله عليه فما بعد ذلك، لان الشام ومصر كانت بأيدي الروم، والعراق حيث بنيت الكوفة والبصرة كانت بأيدي الفرس، ولم يفتتح شئ من كل ذلك ولا سكنه مسلم إلا بعد صدر إمارة عمر، هذا أمر لا يجهله من له أقل نصيب من العلم، وكل من كان بالعراق والشام ومصر من الصحابة فلم يفارقوا سكنى المدينة طوال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينفرد قط برسول الله من بقي منهم بالمدينة دون من سكن بعد موته عليه السلام العراق أو الشام أو مصر، فبطل كذب من موه بما ذكرنا، ولله الحمد ووجب بالضرورة أن من بقي بالمدينة من الصحابة رضي الله عنهم، ليس بأولى بحسن الظن بهم في الثبات على ما شهدوه من
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258