نعم، لا بأس بالتمسك به في جوازه بعد إحراز التمكن منه والقدرة عليه فيما لم يؤخذ في موضوعاتها حكم أصلا (انتهى). [1] أقول: ليت شعري على أي شي حمل المحقق الخراساني كلام هذا البعض، حيث استوحش منه، وقال: إنه لا يكاد يتوهم عاقل ذلك، مع أن ما ذكره هذا البعض ليس إلا تمسكا بالعام في الشبهات المصداقية للمخصص المنفصل، وقد التزم جم غفير بجوازه، فليس الالتزام به موجبا للوحشة، ولذلك اهتم المتأخرون حتى نفسه (قده) بالمسألة، كما مر.
ووجه كون ما نحن فيه من جزئيات تلك المسألة ظاهر، فإن قوله:
(أوفوا بالنذور) عام، وقد خص - بسبب قوله: (لا نذر إلا في طاعة الله) - بما إذا كان متعلقه راجحا فيكون التمسك بالعام والحكم بوجوب الوفاء فيما شك في رجحانه، تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص.
نعم كأن غرض هذا البعض مضافا إلى الحكم بوجوب الوفاء إثبات رجحان العمل وصحته في غير مورد النذر أيضا، لكن هذا أمر آخر يمكن أن يلتزم به من يعمل بلوازم العموم ومثبتاته، [1] ربما يقرر مقصود صاحب الكفاية (قده) بأن المنذور في المثال ليس هو صرف الغسلات، بل ما يكون وضوءا شرعيا، والقدرة عليه إنما هي بعد تشريع الشارع إياه، والمفروض أنه مشكوك فيه، فالشك إنما يكون في القدرة، وهي مما لا يمكن إثباتها بالعموم، وإن قلنا بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص (انتهى) أقول: هذا صحيح لو لم يكن جعل القدرة بيد الشارع، وأما إذا كان بيده، كما فيما نحن فيه أمكن التمسك بعموم أوفوا بالنذور و استكشاف تشريعه له بدلالة الاقتضاء. نعم لا يجوز التمسك نظرا إلى ورود المخصص، فليس الاشكال في المسألة زائدا على إشكال التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، هذا والظاهر أن نظر صاحب الكفاية (قده) في المقام إلى أمر آخر، وهو أن جواز التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية (بناء على القول به) إنما هو فيما إذا ثبت الحكم لنفس عنوان العام، ثم طرأ عليه تخصيص، فحينئذ يمكن أن يقال بجواز التمسك به في الافراد المشكوك فيها، نظرا إلى أن شمول عنوان العام لها قطعي، وشمول عنوان المخصص مشكوك فيه، فرفع اليد عنه بسببه من قبيل رفع اليد عن الحجة باللاحجة.
وأما إذا لم يكن الحكم من أول الأمر ثابتا لنفس عنوان العام، بل أخذ - ولو بدليل منفصل مع بعض الخصوصيات ومعنونا بعنوان خاص ثبوتي - موضوعا للحكم، وكان تحقق هذا العنوان الخاص مشكوكا فيه، فإثباته بعموم الحكم غير معقول، إذ الفرض ثبوت الحكم لعنوان خاص، وهو في العموم والخصوص تابع لموضوعه، ومثال النذر من هذا القبيل، فإن قوله: (أوفوا بالنذور) وإن كان بحسب الصورة عاما، ولكنه أخذ في موضوعه بدليل منفصل خصوصية رجحان المتعلق فوجوب الوفاء ثابت لخصوص ما كان راجحا، فإثبات الرجحان بعموم الوفاء من قبيل إثبات الموضوع بحكم نفسه، وهو محال، كما لا يخفى. ح - ع - م