وهو كما ترى، كاستيحاشه من كون الماهية المخترعة - كالصلاة والصوم - منها (1)، فإنها قبل تعلق الأمر بها وإن لم تكن من الأحكام الوضعية، لكنها لم تكن قبله من الماهيات المخترعة أيضا، لعدم كونها حينئذ من المقررات الشرعية، وإنما تصير مخترعات شرعية بعدما قررها الشارع في شريعته بجعلها متعلقة للأوامر، وحينئذ تصير كالجزئية والشرطية والمانعية للمأمور به من الأحكام الوضعية.
ولا فرق بين الجزئية والكلية في كونهما أمرين منتزعين عن تعلق الأمر بالطبيعة، فيكون نحو تقررهما في الشريعة بكونهما منتزعين من الأوامر المتعلقة بالطبائع المركبة، فمن جعل الجزئية للمأمور به من الأحكام الوضعية مع اعترافه بكونها انتزاعية فليجعل الكلية أيضا كذلك.
وعلى هذا: فلا مانع من جعل الماهيات الاختراعية من الأحكام الوضعية، أي من المقررات الشرعية والوضعيات الإلهية، ولكن إطلاق الحكم عليها كإطلاقه على كثير من الوضعيات يحتاج إلى تأويل.
نعم: نفس الصلاة والصوم كنفس الفاتحة والركوع والسجود مع قطع النظر عن تعلق الأمر بهما وصيرورتهما من المقررات الشرعية، لا تعدان من الأحكام الوضعية، ولا من الماهيات المخترعة.
فالتحقيق: ان جميع المقررات الشرعية تنقسم إلى الوضع والتكليف ولا ثالث لهما.
نعم: صدق الحكم على بعضها أوضح من صدقه على الآخر، بل في بعضها غير صادق، لكن كلامنا ليس في صدق الحكم وعدمه، بل في مطلق الوضعيات، صدق عليها أو لا.