- سواء كان هو نفس الحكم الثابت في الزمان الأول أو خلافه - فوجود دليل مبين لحكم الزمان الثاني معلوم إجمالا، إنما الشك في أن مدلوله هو الحكم الثابت في الزمان الأول أو خلافه، فكما تقول: الأصل عدم الدليل على ثبوت الحكم الأول في الزمان الثاني، فنقول: الأصل عدم الدليل على خلاف الحكم الأول في ذلك الزمان، فيتعارضان ويتساقطان.
مضافا إلى أنه كثيرا ما يكون خلاف الحكم الأول في الزمان الثاني محتاجا إلى الدليل، لا ثبوت نفسه، كالحكم بانتقاض التيمم والصلاة عند رؤية الماء في الأثناء، فتأمل، والحكم بانتقاض الطهارة بخروج الخارج من غير السبيلين، فإن المحتاج إلى الدليل كون هذا من النواقض، لا عدم كونه منها وبقاء الطهارة السابقة.
بل قد استدل بعضهم - وهو الشيخ قدس سره، في العدة ظاهرا على ما هو ببالي - على حجية الاستصحاب: بأنه لما لم نجد في الآن الثاني دليلا يدل على مخالفة الحال الثاني للأول، وعلى كونه مؤثرا في الحكم ومغيرا له، فالأصل يقتضي التسوية بين الحالين (1).
وهذا كما تراه ينادي بأن المحتاج إلى الدليل هو مخالفة الحكم في الزمان الثاني له في الزمان الأول، لا موافقته، وليس هذا الاحتياج من جهة دلالة الدليل الأول على الحكم في الزمان الثاني أيضا، وإلا لم يحتج إلى الاستصحاب، بل من جهة أن كون الحالة الثانية مغيرة يحتاج إلى دليل.
وهذا الاستدلال وإن لم يكن مرضيا في النظرة نظرا إلى أن المنكر للاستصحاب لا يدعي كون الحالة الثانية مغيرة ومؤثرة في اختلاف الحكم،