الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤٣٣
بقية الافعال متساويان فلا يصح إثبات العذاب أو المدح لأحدهما دون الاخر وفيه نظر يظهر مما مر وثالثا بأن خلو الطاعة عن الرجحان واستحقاق المدح غير معهود وقياسه بترك الزنا قياس مع الفارق فإن ترك الزنا من التوصليات بخلاف فعل الصلاة في الوقت وفيه أن المجيب إنما منع من ترتب المدح على فعل من لم يصادف الوقت وعلى مصادفة الغافل أو المقصر للوقت والاشكال إنما يتجه عليه بالنسبة إلى الامر الأول دون الآخرين إذ لا طاعة في مصادفة فيهما وأما مناقشته في التمثيل بترك الزنا فمع خروجها على ما قيل من دأب المحصلين لامكان التمثيل بغيره كالمباحات فغير مستقيمة فإن ترك الزنا مطلوب لذاته لا للتوصل به إلى شئ آخر فالفرق غير مسموع فاتضح مما قررنا فساد الوجوه التي تمسكوا بها على فساد عمل الجاهل المطابق للواقع ويؤكده جريان سيرة أغلب الناس خصوصا في مبدأ التكليف بأخذ مسائلهم [مسائل عباداتهم] من الطرق الغير المعتبرة وهذا أمر لا يختص بأهل زماننا بل يقطع به في حق أهل الاعصار السابقة حتى المعاصرين للأئمة ولم يرد منهم أمر بإعادة عباداتهم من هذه الجهة ولا يرد ذلك على تقدير عدم المطابقة لان أمرهم بالإعادة مع عدم المطابقة أكثر من أن يحصى ولنشر إلى جملة من الاخبار التي وعدنا ذكرها منها ما روي أن عمارا أصابته جنابة فتمعك في التراب فقال له رسول الله كذلك يتمرغ الحمار أ فلا صنعت كذا فعلمه التيمم وجه الدلالة أن قوله صلى الله عليه وآله أ فلا صنعت كذا تنديم على عدم الاتيان بالتيمم بتلك الكيفية وفيه دلالة واضحة على أنه لو كان تيمم بتلك الكيفية ولو من غير سؤال لكان مجزيا ولم يتوجه إليه التنديم ومثله قوله عليه السلام في مجدور أجنب فغسلوه فمات ألا سألوا ألا يمموه ومنها ما ورد في براء بن معروف حيث استنجى بالماء فنزل في حقه إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وجه الدلالة أنه تطهر بالماء من غير استناد إلى طريق معتبر كما يظهر من خوفه حين أرسل إليه النبي صلى الله عليه وآله ودعاه ولما كان عمله حسنا بحسب الواقع ترتب عليه المدح ونزل فيه ما نزل و منها ما رواه عبد الله بن عطار قال قلت لأبي جعفر عليه السلام رجلان من أهل الكوفة أخذا فقيل لهما تبرا من أمير المؤمنين عليه السلام فتبرأ واحد منهما وأبى الاخر فخلي سبيل الذي تبرأ وقتل الاخر فقال عليه السلام أما الذي تبرأ فرجل فقيه في دينه وأما الذي لم يتبرأ فرجل تعجل إلى الجنة وجه الدلالة أن الذي لم يتبرأ كان جاهلا بجواز التقية في مثل ذلك بقرينة وصف صاحبه بالفقاهة دونه فإنه ينبئ عن صدور عمله من غير فقاهة ومع ذلك ترتب عليه الاجر ومنها موثقة ابن بكير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أجنب ثم تيمم فأمنا ونحن على طهور فقال لا بأس به وعنه عليه السلام في الموثق إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلا قلت فما تقول في صلاتنا ووضوئنا وما أصاب ثيابنا فقال لا بأس به ووجه الاستدلال بها واضح مما مر إلى غير ذلك من الاخبار واحتج الفاضل المعاصر على صحة عمل الجاهل الغير المقصر بمعنى سقوط الإعادة والقضاء عنه وإن خالف الواقع بأن الامر يقتضي الاجزاء وبأن التكاليف إنما تثبت على حسب أفهام المكلفين ولذلك لا يشترط في صحة صلاة المجتهد موافقتها للواقع و بأن تكليف الغافل بالاتيان بما يوافق الواقع تكليف بالمحال وبأنه لا معنى محصل لموافقة الواقع فهل المراد به حكم الله الواقعي الذي لا يطلع عليه إلا الله تعالى أو ما وافق رأي المجتهد الذي في ذلك البلد أو أحد المجتهدين وما الدليل على تعيين شئ من ذلك وحكم المجتهد بعد اطلاعه بالموافقة وعدم الموافقة أي فائدة فيه لما فعله قبل ذلك إلا بالنسبة إلى الحكم بالقضاء فيما دل دليل على ثبوته مع الفوات كالصلاة والتحقيق أن صدق الفوات في حق الجاهل الغافل ممنوع إذ لا تكليف له بغير معتقده حتى يصدق في حقه الفوات وثبوت القضاء في حق النائم والناسي إنما ثبت بالنص وبعموم الأخبار الدالة على أصل البراءة وأصل العدم فيما لا يعلمه المكلف وقد تقدم جملة منها والتقريب ظاهر والجواب أما عن الأول فبأن الامر إنما يقتضي الاجزاء إذا جي بالمأمور به على وجهه واقعا لان متعلقه الامر الواقعي والأصل عدم اشتراط ثبوته ولا بقاؤه واقعا بعدم فعل غيره وإن اعتقد أنه المأمور به فالمكلف بالصلاة الواقعية لا يجزيه بالنسبة إلى هذا التكليف إلا الاتيان بالصلاة الواقعية وإتيانه بما يعتقد أنها صلاة واقعية إنما يقتضي الاجزاء عنه ظاهر إذا لم ينكشف له الخلاف وقد مر تحقيق ذلك وأما عن الثاني فبأن ثبوت التكاليف الواقعية لا تتبع أفهام المكلفين وإلا لزم القول بالتصويب وقد أجمع أصحابنا على بطلانه وإنما يتبعها ثبوت الاحكام الظاهرية وأما ثبوت الإعادة والقضاء حيث يثبت مع انكشاف الخلاف فلعدم الخروج عن عهدة الامر الواقعي ولا فرق في ذلك بين المجتهد وغيره نعم لو أدى نظر المجتهد إلى صحة عبادة على كيفية خاصة وأوقعها على تلك الكيفية ثم ظن الخلاف أو ظن بطلان الطريق لم يجب عليه التدارك كما مر وكذا الكلام في التقليد وليس هذا من جهة عدم كونه مكلفا بالواقع بل لعدم انكشاف الواقع له بالنسبة إلى ما مضى من أعماله وأما عن الثالث فبأن تكليف الغافل إنما يوجب التكليف بالمحال إذا كان مطلقا وأما إذا كان مشروطا بزوال غفلته كما هو الشأن في سائر التكاليف الواقعية فلا يوجب ذلك وقد نبهنا على ذلك في مسألة إبطال التصويب وأما عن الرابع فبأن المراد بما ثبت في الواقع ما ثبت عند الشارع مع قطع النظر عن إصابة
(٤٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 ... » »»