الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٣٢
وقوع متعلقه من الكذب وترك القبيح حسن فيحسن ما يستلزمه و بالجملة فكل من الصدق والكذب في الفرض المذكور حسن وقبيح باعتبار نفسه وباعتبار لازمه فيجتمع الوصفان في كل منهما وفي القول المتصف بأحدهما وهما متناقضان إما لان القبح عدم الحسن أو لأنه يستلزمه فيلزم من اجتماعهما في القول المذكور اجتماع المتناقضين فيه وهو المقصود بالتالي وأما بطلانه فواضح وقد يقرر اجتماع المتناقضين في كلام الغد لأنه على تقدير كونه صادقا يكون حسنا من حيث الصدق وقبيحا من حيث استلزامه لكذب كلامه السابق وعلى تقدير كونه كاذبا يكون قبيحا من حيث الكذب وحسنا من حيث استلزامه لصدق الكلام السابق ولو منعت قبح مستلزم القبيح ما لم يكن علة اندفع الاشكال بالتقادير الثلاثة الأول وبقي الاشكال على التقدير الأخير وهو كاف في الابطال وقد يتخيل أن الايراد المذكور إما مشترك الورود على غيرهم أو مشترك الاندفاع عنهم وعن القول بأنهما لصفة لازمة وذلك لان القائلين بالوجوه والاعتبار إن جعلوا الحسن والقبح لاحقين لنفس الفعل لزم الاشكال المذكور لامتناع أن يتصف فعل واحد بالحسن والقبح وإن كان اتصافه بهما بالوجوه والاعتبار ضرورة تنافيهما وإن جعلوهما لاحقين للفعل مأخوذا مع كل من الجهتين على الانفراد فيجري مثله على القول بالصفة اللازمة فإن الفعل المأخوذ مع إحدى الصفتين غيره مأخوذا مع الأخرى فلا يتم الايراد على هذا القول أيضا وضعفه ظاهر إذ للقائل بالوجوه والاعتبار أن يجعل كلا من الكلامين حسنا بمعنى كونه خلوا عن القبح لمكان التدافع بين الجهتين إن كان لا يرى رجحانا لإحداهما وإلا تعين عنده ترجيح الأقوى ونفى الأضعف و كيف كان فلا يلزم من مذهبه الاجتماع إذ ليسا عنده من الصفات اللازمة بل حسن الصدق وقبح الكذب عنده بالوجوه والاعتبار ولهذا قد يقبح الأول عنده ويحسن الثاني وأما الاعتذار بأخذ الجهة تقييدية لا تعليلية فغير مجد نفعا وذلك لان الجهة إذا أخذت تقييدية للفعل فالحسن والقبح إما يلحقان المقيد بشرط القيد أو المجموع المركب وكلاهما محال أما الأول فواضح للزوم الاشكال المذكور عليه من اجتماع المتناقضين و لا أثر لاختلاف المقيد مع اجتماع القيدين واتحاد المقيد قطعا وأما الثاني فلان تعلق الحسن بالمركب يقتضي تعلقه بأجزائه في ضمن المركب وهو ينافي تعلق القبح به في ضمن مركب آخر مع اجتماع التركيبين للزوم اجتماع المتناقضين في الجز كما مر إذ لا فرق في ذلك بين التعلق الاستقلالي وغيره مع أن إحدى الجهتين هنا غير لازمة للفعل فلا يستقيم استناد القبح إليها على ظاهر مذهب القائلين بأنهما لصفات لازمة فصل ومما يتفرع على المسألة السابقة مسألة التكليف بالمحال وقد اختلفوا فيه إلى أقوال ثالثها التفصيل بين الممتنع الذاتي وغيره فمنع منه في الأول دون الثاني واختاره الحاجبي ورابعها التفصيل بين ما إذا استند الامتناع إلى اختيار المكلف وغيره فجوز في الأول دون الثاني واختاره جماعة من أصحابنا و المختار عندي هو المنع مطلقا وموضع النزاع ما إذا لم يستند الامتناع إلى إرادة المكلف بالنسبة إلى الزمن الذي لم يرتفع فيه تمكنه منه وأما إذا استند الامتناع إلى إرادته فمع بقاء التمكن على الفعل مما لا نزاع لاحد في جواز التكليف به فإن الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار كالواجب به لنا أن التكليف بالمحال قبيح بأقسامه فيمتنع صدوره منه تعالى أما الأول فلقضاء الضرورة به بعد ثبوت الأصل المتقدم من الحسن والقبح العقليين فإن العقلا يعدون طلب المحال واقتضاءه لغوا ويرمون فاعله إلى السفه وأما الثاني فلان علمه تعالى وحكمته وغناه يحيل صدور القبيح منه وذلك واضح حجة القائلين بجواز التكليف بالمحال مطلقا أنه تعالى كلف الكافر بالايمان مع أنه ممتنع في حقه لأنه لم يرده منه ولأنه تعالى علم بكفره ويمتنع الجهل في علمه تعالى وأنه تعالى كلف أبا لهب بالايمان بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله مع أن من جملة ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله أنه لا يؤمن فيجب عليه الايمان بأنه لا يؤمن وهو محال وأن التكليف بالمال مقدور في نفسه و لا مانع منه إلا قبحه العقلي وقد مر نفيه والجواب أما عن الأول فبأن عدم إرادته تعالى إيمان الكافر إن كان بمعنى عدم رضاه به فممنوع كيف وقد قال جل شأنه ولا يرضى لعباده الكفر وإن كان بمعنى عدم مشيته وتقديره فلا ينافي كونه باختيار الكافر وإرادته و قدرته كما مر فلا يكون تكليفا بالمحال وأما عن الثاني فبأن علمه تعالى وإن استحال انفكاكه عن المعلوم لكنه لا ينافي قدرة الكافر وتمكنه كما مر بيانه فلا يكون تكليفه بخلاف المعلوم تكليفا بغير المقدور وأما عن الثالث فبأن أبا لهب لم يكلف بالايمان بأنه لا يؤمن بل إما أن يكون قد أخفي عنه هذا الاخبار وكلف بالايمان بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله إجمالا أو كلف بالايمان بما عدا ذلك أو كلف بالايمان في زمن سابق بأنه لا يؤمن في زمن لاحق على أن هذه الوجوه الثلاثة لو تمت لدلت على وقوع التكليف بالمحال وهم لا يقولون بوقوعه على ما حكاه بعضهم ومع ذلك فبطلانه معلوم من قوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها إلى غير ذلك وأما عن الرابع فبما مر بيانه احتج الحاجبي على جوازه في غير الممتنع الذاتي ببعض ما مر وعلى امتناعه في الممتنع الذاتي بأنه مما يمتنع تصور وقوعه فيمتنع التكليف به فإن التكليف بالشئ عبارة عن استدعاء حصوله فيتوقف على تصوره وتصور حصوله تصور للشئ على خلاف ماهيته و هو محال ثم أورده على ذلك إيرادين تعرض لدفعهما الأول أن المستحيل كالجمع بين الضدين لو لم يمكن تصوره لم يمكن وصفه بالاستحالة لان العلم بصفة الشئ فرع تصوره وأجاب عنه بأن الجمع المتصور هو الجمع بين المختلفات وهو الذي
(٣٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 ... » »»