الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٣١
حسن التخلق بالأخلاق الجميلة كالجود والشجاعة ومنها ما يتصف بالقبح بالذات كقبح الكفر ومن هذا الباب التخلق بالأخلاق الردية كالبخل والجبن ومنها ما يتصف بهما بالوجوه والاعتبار وهو الغالب كضرب اليتيم ظلما وتأديبا وقتل النفس ظلما وحدا وتناول المحرمات تشهيا وتداويا إلى غير ذلك مما لا حصر له وهذا بعد التنبيه عليه مما لا خفاء فيه ثم الذي يظهر من كلمات القوم في المقام و غيره أن القائلين بالذاتية يريدون به أن الحسن والقبح مستندان إلى ماهية الفعل أعني تمام حقيقته وأن القائلين بأنهما لصفات لازمة يريدون أنهما مستندان إلى صفات غير مفارقة لتمام حقيقة الفعل ولو بحسب الخارج ولهذا أوردوا عليهم بما سيأتي إيراده ويؤكد ذلك ما نقلوه عنهم في مبحث النهي من منعهم اجتماعه مع الامر في الجنس الواحد واعتذار بعضهم عن اجتماعهما في السجود باعتبار وقوعه له تعالى وللضم بأن مورد النهي تعظيم الصنم وهو خارج عن حقيقة السجود وأما الذاتي بالمعنى الذي يقابل به العرضي كما هو المتداول في ألسنة أهل الميزان فليس بمراد هنا قطعا إذ لا يذهب وهم إلى أن الحسن أو القبح جز من ماهية الفعل أو تمام حقيقته وقد يوجه كلامهم بأنهم يريدون أن الحسن والقبح من اللواحق الذاتية للأفعال المقيدة بالجهات الخاصة أعني الأصناف فيجعلون الحسن ذاتيا للطم اليتيم المقيد بكونه على وجه التأديب والقبح ذاتيا للطمه المقيد بكونه على وجه التعذيب وهكذا ومنه يظهر توجيه القول بأنهما الصفات لازمة للفعل أيضا ويفرق بينهم وبين قول الجبائية بأن الجبائية يجعلون التأديب والتعذيب جهتين تعليليتين لحسن اللطم و قبحه فيحكمون بحسن اللطم تارة لكونه تأديبا وقبحه أخرى لكونه تعذيبا وهذا التوجيه وإن كان في نفسه قريبا مخرجا لمقالة القائلين بالذاتية وبالوصف اللازم عن وضوح الفساد واتضاح البطلان إلا أنه مخالف لما هو المتداول نقله عنهم في المقام وغيره كما عرفت وحيث إنا لم نقف على كتب أصحاب هذا المذهب فالتعويل إذن في معرفة مقالتهم على ما حكاه الأكثرون لكن قد يشكل عليهم حينئذ بأن فعل الجوارح منحصر في الحركة والسكون وهما تمام حقيقة ما تحتهما من الافراد وإن اختلفت بالعوارض الضعيفة و الشخصية وهذا في السكون واضح وأما الحركة فإن قلنا بأن القوي منها يخالف الضعيف في أمر عرضي فحكمها حكم السكون وإن قلنا بأنهما يختلفان في الذاتي كانت الحركة حينئذ جنسا لما تحتها من الأنواع المختلفة بالشدة والضعف إلا أن الشدة والضعف مما لا مدخل لهما ولو غالبا في التحسين والتقبيح مع أن حقيقة الشدة على هذا القول راجعة إلى حقيقة الحركة فيلزمها ما يلزمها فيكون منشأ التحسين والتقبيح هو نفس الحركة وهي تمام حقيقة هذه الحركة و حينئذ فإن قلنا بأنهما ذاتيان لزم أن يكون الحركات بأسرها إما متصفة بالحسن أو القبح وكذلك الحال في السكون وفيما يتركب منه ومن الحركة فلا يمكن أن يتحقق بالنسبة إلى كل نوع إلا حكم واحد وأما كل صنف من الحركة والسكون إذا جعل مركبا مع صنف آخر من نوعه فلا يصح أن يخالف حكمه لحكم النوع لاتحادهما في تمام الحقيقة التي هي منشأ الحكم واختلافهما في العوارض الصنفية لا تؤثر فيه بناء على القول بالذاتية وجوابه منع انحصار الفعل في الحركة والسكون فإن ما يلحقهما من العوارض الصنفية والشخصية و ما يتسببان لحصوله كالتأديب والتعذيب في الضرب أيضا من فعل المكلف ضرورة استناد الجميع إلى جعله وتأثيره وإن كان في البعض بواسطة ولها في حد أنفسها حقائق متكثرة فقضية عدم خلو الافعال عن الحسن والقبح الذاتيين اتصاف تلك العوارض من حيث ذواتها بأحد الوصفين أيضا غاية ما في الباب أن يكون للحركة مثلا في حد ذاتها حكم وللخصوصية الصنفية اللاحقة لها ككونها حركة صلاتية أو غصبية حكم ولما تتسبب له الحركة مثلا حكم وهكذا و الظاهر أن أصحاب هذا القول لا يتحاشون عن ذلك كما سيأتي فيندفع الاشكال ثم إنهم أوردوا على القائلين بالذاتية وبالصفة اللازمة أمرين الأول أنهما لو كانا ذاتيين أو لصفة لازمة لها لزم أن لا يكون الفعل الواحد حسنا تارة وقبيحا أخرى والتالي باطل أما الملازمة فلاستحالة تخلف ذاتي الشئ عنه على ما تحقق في محله وأما بطلان التالي فواضح ضرورة أن الكذب قبيح وقد يحسن إذا كان فيه عصمة نبي من ظالم أو إنقاذ بري من باغ إذا انحصر طريق التخلص فيه إلى غير ذلك مما لا حصر له وعليه يبتني مسألة جواز النسخ المتفق عليه بين أهل الاسلام وأما الاعتذار بأن الكذب في الفرض المذكور ارتكاب لأقل القبيحين فإن أريد أنه باق فيه على صفة القبح بمعنى كون فاعله مستحقا للذم كما هو المعنى المبحوث عنه فمخالف لحكم الضرورة إذ لا مندوحة عن الفعل والترك فكيف يترتب الذم على كل منهما مع أن ذلك يؤدي إلى التكليف بالمحال بناء على استتباع الحسن والقبح للتكليف على حسبهما كما هو المعروف بين العدلية وإن أريد زوال وصف القبح بالكلية لمصادمة جهة أخرى أقوى من جهة فقد بطل دعوى الاستناد إلى الذات أو لازمها لان ما بالذات لا يتخلف إلا أن يراد كون الذات علة له لو لم يمنع منه مانع لا مطلقا وحينئذ فيجوز له التخلف ويسقط الايرادان إلا أنه خلاف ما فهمه القوم من كلامهم الثاني أنهما لو كانا ذاتيين أو لصفة لازمة لاجتمع النقيضان في قول من قال لأكذبن غدا والتالي باطل بيان الملازمة أن القول المذكور لا يخلو إما أن يكون صادقا أو كاذبا وعلى التقديرين يجتمع فيه صفتا الحسن والقبح أما على تقدير صدقه فلحسنه حينئذ من حيث كونه صدقا وقبحه من حيث استلزامه وقوع متعلقه من الكذب وهو قبيح فيقبح ما يستلزمه لان مستلزم القبيح قبيح وأما على تقدير كذبه فلانه قبيح حينئذ من حيث كونه كذبا وحسن من حيث استلزامه لعدم
(٣٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 ... » »»