الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٤٠
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين المقالة الثانية في الأدلة السمعية القول في الكتاب فصل اتفق علماء الاسلام والمنتسبين إليه من الأنام على حجية الكتاب الكريم والقرآن العظيم والمنكر لحجيته مخالف لضرورة الدين وربما خرج عن فرقة المسلمين ثم المعروف بينهم حجية محكماته من نصوصه وظواهره وإن لم يرد تفسيرها في السنة بل لا يعهد في ذلك خلاف من السلف ولهذا لا يرى لهذه المسألة عنوان في كتبهم ولا يعثر له على ذكر في زبرهم مع تداول احتجاجهم به وركونهم إليه و ليس ذلك إلا لعدم حجيته من المطالب الضرورية والمباحث البديهية بعد ثبوت حقيقة الشريعة المبنية كحجية قول النبي صلى الله عليه وآله وأوصيائه المعصومين عليهم السلام بعد ثبوت مناصبهم في أمر الدين وبالجملة فقد جرى طريقة علماء الاسلام من الموافقين والمخالفين على التمسك بالكتاب المبين والرجوع إليه في مقام التنازع في مباحث الدين إلى أن انتهت النوبة إلى جماعة من متأخري الأخبارية الذين كانت نهاية درجتهم في المعالم الدينية والمعارف الشرعية معرفة ظواهر الآثار والاخبار والبحث عن مداليلها بنظر عار عن التدبر والاعتبار فأنكروا حجيته ما لم يفسر منه في السنة و إن كان نصا من حيث الدلالة وفصل بعضهم بين نصوصها وظواهرها فوافقهم في الثاني دون الأول فقال إن أرادوا يعني المنكرين حجية الكتاب أنه لا يجوز العمل بالظواهر التي ادعيت إفادتها للظن لصيرورة أكثرها متشابها بالنسبة إلينا فلا تفيد الظن وما أفاد الظن منه منعنا عن العمل به مع قبول أن في القرآن محكما بالنسبة إلينا فلا كلام معهم وإن أرادوا أن لا محكم فيه أصلا فباطل انتهى ملخصا وهذا كما ترى صريح في منع حجية ما هو ظاهر منه في المراد دون ما هو صريح فيه وفيه أيضا دلالة على تنزيله لاخبار المنع عن العمل بالنوع الأول دون الأخير فما أورده بعض المعاصرين عليه من أن التفصيل المذكور غفلة عن محل النزاع فإن المتشابه على الوجه الذي ذكره لا يختص بالكتاب بل يجري في الاخبار أيضا بل النزاع في خصوص الكتاب من جهة الاخبار التي دلت على المنع من العمل به مما لا ورود له عليه نعم يبقى الكلام في ترديده في بيان مراد المانعين حيث يشعر بعدم صراحة كلامهم في المنع مطلقا ولا يخفى ضعفه لنا وجوه منها إطباق الطائفة المحقة من زمن ظهور الأئمة إلى زمن الغيبة بل علماء الاسلام كافة على حجيته ووجوب العمل به مطلقا و لا ريب في أن مثل هذا الاتفاق كاشف عن قول رؤسائهم وتقريرهم إياهم على ذلك بل يمكن أن يستكشف بذلك عن قول النبي صلى الله عليه وآله لامتداد سلسلة الاتفاق إلى عصره وزمانه ومنها أنه لو لم يكن ألفاظ الكتاب في نفسها دليلا على إرادة معانيها بدون التفسير لتوقف كونها معجزة على ورود التفسير لظهور أن من أظهر وجوه إعجازه اشتماله على الفصاحة والبلاغة التي لا يسعها طاقة البشر حتى اعترف به فصحاء العرب وأقروا بالعجز عن المعارضة بالمثل ولا ريب أن ذلك لا يتم إلا بمعرفة مداليله ومعانيه لوضوح أن وصف البلاغة لا يعرض اللفظ إلا بالقياس إلى ما أريد به من المعنى ألا ترى أن من عبر بعبارة فصيحة عن معنى يستبشع أهل الاستعمال صوغ ذلك الكلام لبيان ذلك المعنى خرج كلامه عن حد البلاغة بل قد يخرج عن حد كلام أهل العقول ويرمى إلى الهذيان و الفضول ولم ينقل أنه صلى الله عليه وآله كان يحاج العرب بالقرآن بعد تفسيره وبيانه لهم بل لو كان ذلك لشاع وذاع ولبلغ حكايته الاسماع مع أن ذلك يوجب خروج القرآن عن كونه معجزا بالبلاغة لتوقفه كما بينا على التفسير وصحته مبينة على ثبوت النبوة فإذا توقف ثبوتها على كونه معجزا لزم الدور ويوجب أيضا أن يكون إعجازه بالفصاحة في أمثال زماننا ظنيا لثبوت التفسير غالبا بطريق ظني وربما أمكن الاستناد في التفصي عن ذلك إلى كونه معجزا من حيث الأسلوب فقط لكنه مع بعده لا يجدي في إثبات كونه معجزا من حيث البلاغة كما عليه إطباق الأمة ومنها الآيات الدالة على ذلك كقوله تعالى أفلا يتدبرون القرآن وقوله تعالى ليدبروا آياته وقوله تعالى هذا بيان للناس وما هو إلا ذكر للعالمين هدى ورحمة و إذا تتلى عليهم آياتنا إلى غير ذلك ووجه الاستدلال أن هذه الآيات و نظائرها بعد ملاحظة سياقها يوجب القطع بإرادة ما أردناه من حجية القرآن بنفسه ولو في الجملة وهذه الدلالة قطعية فلا دور ومنها الاخبار وهي كثيرة جدا منها رواية الثقلين المدعى تواترها بين العامة والخاصة فإنها قد اشتملت على الامر بالتمسك بالكتاب وبالعترة ولا ريب في أن التمسك بالعترة غير مشروطة بموافقة الكتاب فكذلك العكس إذ استقلال أحدهما في وجوب التمسك به يوجب عدم إرادة التمسك بهما معا في كل واقعة وذلك يوجب الاستقلال من الجانب الاخر وتنزيلها على وجوب التمسك بالكتاب بشرط بيان العترة حتى بالنسبة إلى الصريح منها والظاهر خلاف الظاهر من مساقها ومنها قول علي أمير المؤمنين وإمام المتقين صلوات الله عليه في خطبته المعروفة كأنهم لم يسمعوا الله
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»