الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١١٨
المستلزم لفواتها اندفع الأول لكن يكون هذا الدليل على الوجه الثاني والدليل الأول بدليين فلا يتعددان ويمكن دفع الثاني بأن المراد عدم العلم بالنظر إلى ذلك الامر واستدل بعض المعاصرين بما مر سابقا من أن المتبادر من الامر ليس إلا طلب الماهية المطلقة من غير اعتبار مرة ولا تكرار فلا يدل على ثبوت القضاء وهو مبني على تحريره السابق وقد عرفت ما فيه احتج النافون بوجهين الأول لو سقط لسقط قضاء الحج بإتمام فاسده لتعلق الامر به وأنه لا يسقط بالاتفاق والجواب بعد تسليم أن الثاني قضاه بالمعنى الذي سبق أن القضاء ليس للمأتي به بل للذي لم يؤت به وهو الحج الصحيح وأما وجوب إتمام الفاسد فليس للامر بالحج بل لأمر آخر فهو مجز عن الامر الثاني لوقوعه على وجهه ولهذا لا يقضي فاسدا وغير مجز عن الامر الأول إذ لم يأت به على وجهه ولا يذهب عليك أن الدليل المذكور إنما يتجه بالنسبة إلى المقام الثاني إذ الامر بإتمام الحج أمر واقعي لا ظاهري الثاني لو سقط لسقط عن المصلي بظن الطهارة الشرعي إذا انكشف له الخلاف والتالي باطل أما الملازمة فللاتفاق على أنه مأمور حينئذ بالعمل على حسب ظنه وأما بطلان التالي فبالاتفاق وأجيب أولا بالمنع من انتفاء التالي لوقوع الخلاف فيه وهذا المنع ضعيف عندنا وإن بطل مستند الخصم عليه من نقل الاتفاق وثانيا بأن الثاني واجب مستأنف وتسميته قضاء مجاز لأنه مثل الأول ولا يخفى أن هذه الكلمات من الاستدلال وجوابيه إنما يتجه بالنسبة إلى المقام الأول دون الثاني قال التفتازاني في دفع الجواب الأخير وهذا بعيد إذ لم يعهد للامر مثلا فرض غير الأداء والقضاء ولو سلم فيمكن أن يقال بذلك في كل قضاء فلا يوجد قضاء حقيقة قطعا وفيما ذكره أخيرا نظر إذ لمانع أن يمنع إمكان ذلك في كل مقام لقيام الدليل عليه في بعض المواضع قطعا والتحقيق في المقام ما أشرنا إليه من أن الامر بالصلاة هناك أمر ظاهري لا يقتضي العمل بحسبه إلا الأجزاء الظاهري فإذا انكشف الخلاف انكشف عدم حصول الأجزاء والامتثال للامر الواقعي فيترتب عليه أحكامه و تحقيق ذلك أن الأحكام الشرعية سواء كانت تكليفية أو وضعية إنما تتبع متعلقاتها الواقعية لا الاعتقادية علما كان أو ظنا لان الألفاظ التي تعلقت تلك الأحكام بها موضوعة بإزاء المعاني الواقعية على ما يشهد به صريح العرف واللغة وأما العلم أو ما قام مقامه فإنما هو طريق إليها فلا يعتبر إلا من حيث كونه كاشفا عنها موصلا إليها فالمكلف في الفرض المذكور مأمور بالصلاة المقرونة بالطهارة الواقعية وقد جعل الشارع له مضافا إلى العلم الذي هو طريق عقلي طرقا فإذا عول على بعض تلك الطرق ثم انكشف له فساده من عدم إيصاله إلى الواقع تبين أنه لم يأت بما أمر الشارع به من الصلاة المقرونة بالطهارة الواقعية فيلزم استدراكها ولو خارج الوقت لصدق الفوات في حقه غاية ما في الباب أن لا يكون إثما به لتحقق العذر في حقه وببيان آخر هناك أمران أمر بالصلاة المقرونة بالطهارة الواقعية مشروطا فعليته أو بقاؤه بعدم العذر المانع و منه أداء الطريق العقلي أو الشرعي كالاستصحاب إلى خلاف الواقع و أمر فعلي بالصلاة المقرونة بالطهارة الظاهرية الثابتة بأحد الطرق الشرعية وإن تخلف عنها الايصال إلى الواقع وهذا الامر ناش من وضع الطريق عند العلم بالامر الأول فإن تطابق الأمران امتثلهما المكلف وعد امتثالهما واحدا لأولهما إلى أمر واحد وإن تعددت الجهة كما مر نظيره في المحرم وإلا امتثل الامر الذي أتى بالفعل على وجهه وبقي في عهدة الاخر وما يتخيل من أن المفهوم من أدلة حجية الاستصحاب أو خبر العدلين أو العدل الواحد على القول به أو غير ذلك كون التكليف على حسب مؤداها لا غير حتى إنه لو عمل بمقتضاها كان ممتثلا بحسب الواقع سواء تبين له الخلاف أو لم يتبين فيجب تأويل ما يقتضي بظاهره أن يكون التكليف على حسب الواقع فليس بشئ بل المفهوم من تلك الأدلة إنما هو مجرد وجوب التعويل عليها كالأدلة الدالة على وجوب التعويل على العلم ولا منافاة بينها وبين ما دل على أن التكليف الواقعي على حسب الواقع وهي ظواهر تلك الخطابات كما يشهد به صحة التصريح بهما من غير أن يكون هناك شوب منافاة وتعارض فإذا لا داعي إلى ارتكاب التأويل في غير ما قام عليه الدليل نعم مقتضى الأصول الأولية وجوب تحصيل العلم بحصول المطلوب ما لم يقم دليل على خلافه وتلك الأدلة قامت على الاكتفاء بغيره و بالجملة فلا سبيل إلى جعل الامتثال للامر الظاهري موجبا للامتثال للامر الواقعي عند اختلاف المورد إذ حصول الامتثال بأمر من غير إتيان بمورده غير معقول نعم يجوز أن يكون مسقطا لبقاء التكليف به عند قيام دليل على السقوط فيقيد به الاطلاق المقتضي لعدم السقوط وأما حكمنا بالامتثال في بعض موارد المقام كما في التلبس بالصلاة قبل دخول الوقت أو في الثوب النجس على تفصيل تقرر في محله فلتعميمنا مورد الحكم الواقعي هناك إلى ما أدى إليه الطريق المعتبر شرعا لدلالة الدليل عليه وذهب الفاضل المعاصر على ما يظهر من كلامه إلى القول بأن موافقة الامر الظاهري يجزي عن الامر الواقعي بمعنى أنه يقتضي سقوطه ما لم يدل دليل على خلافه و احتج عليه بالأصل وبأن الظاهر من الامر الثاني إسقاط الامر الأول بشهادة العرف واللغة ثم قال نعم لو ثبت من الخارج أن كل مبدل إنما يسقط بالبدل ما دام غير متمكن منه فلما ذكر وجه وأنى لك بإثباته بل الظاهر الاسقاط مطلقا فيرجع النزاع إلى إثبات هذه الدعوى لا أن الامر مطلقا يقتضي القضاء أو يفيد سقوطه فتصير المسألة فقهية لا أصولية انتهى أقول لا ريب في أن قضية إطلاق الامر بشئ عدم سقوطه بفعل غيره وإن كان مأمورا به بأمر آخر ودعوى سقوطه به تقييد للامر ولو فسر المأمور به بما يؤدي إليه طريق شرعي كان مجازا وعلى كل من التقديرين لا بد من قيام دليل عليه و ليس في الامر الثاني ما يقتضي ذلك لا عرفا ولا لغة كما عرفت و التمسك بأصالة البراءة وأصل العدم في مثل المقام فاسد من وجهين الأول أن الذي يتجه فيه أصل الاشتغال لا أصل البراءة وأصل بقاء
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»