لا يقال: العدالة ليست من الأمور الحسية.
لأ نا نقول: العدالة المعتبرة في باب الشهادات وإمام الجماعات عند قدمائنا وعند الأئمة الهداة (عليهم السلام) مركبة من أمر وجودي محسوس ومن عدم أمر محسوس وكلاهما مما يدرك بالحس، وسيجئ تحقيقه بما لا مزيد عليه في كلامنا إن شاء الله تعالى.
وينبغي أن نذكر أمثلة للصورة الثانية فإنها من معظم المسائل التي يعم بها البلوى، وسيجئ في كلامنا (1) فانتظرها.
وأما التمسك باستصحاب نفي حكم شرعي سواء ظهرت فيه شبهة مخرجة أم لا.
فقد قال به المتأخرون من أصحابنا والشافعية والحنفية، فاعترضت الشافعية على الحنفية بأن قولكم بالاستصحاب في نفي الحكم الشرعي دون نفسه تحكم.
وأنا أقول: عند النظر الدقيق لا تحكم، وذلك لوجهين:
أحدهما: ما حققناه سابقا من طرو حالة تغير بسببها موضوع المسألة. وثانيهما:
أن لاعتبار النفي الأزلي جهتين:
إحداهما: استصحابه. والثانية: تساوي نسبته إلى جميع الأزمنة والأحوال، لأن كل ممكن إذا خلي ونفسه كان معدوما كما تقرر في موضعه، ومنظور الحنفية اعتبار الجهة الثانية.
ثم أقول: قد رأيت في كلام أقوام من فحول الأعلام من الخاصة والعامة ما ينطق بعدم تفطنهم بالفرق بين استصحاب النفي الأزلي وبين أصالة النفي. وسيجئ زيادة توضيح للفرق بينهما في الفصل المعقود لبيان الاصطلاحات التي يعم بها البلوى، إن شاء الله تعالى.
ثم أقول: كما لا يجوز التمسك بأصالة النفي كذلك لا يجوز التمسك باستصحاب النفي الأزلي بعين ما ذكرناه من الأدلة.