الأصول الأصيلة - الفيض القاساني - الصفحة ٦
لا تعلمون (1) فهذا خاص لا يجوز ان يكون من جعل الله له الطاعة على الناس ان يدخل في مثل ما هم فيه من المعاصي وذلك لقول الله جل ثناؤه: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال: انى جاعلك للناس إماما، قال: ومن ذريتي، قال: لا ينال عهدي الظالمين (2) ليسوا بأئمة يعهد إليهم في العدل على الناس وقد أبى الله ان يجعلهم أئمة وعلمنا أن قوله تبارك وتعالى: ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل (3) عهد عهده إليهم لم يعهد هذا العهد الا إلى أئمة يحسنون ان يحكموا بالعدل ولا يجوز ان يأمر ان يحكم بالعدل من لا يعرف العدل ولا يحسنه، وإنما أمر ان يحكم بالعدل من يحسن ان يحكم بالعدل.
ثم قال بعد كلام طويل:
ثم رجعنا إلى مخاطبة الصنف الأول فقلنا لهم: ما دعاكم إلى أن قلتم: ان الله لم يبعث إلى خلقه بجميع ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام والفرائض والاحكام؟ وان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يعلم ذلك أو علمه ولم يبينه للناس؟ وما الذي اضطركم إلى ذلك؟ - قالوا: لم نجد الفقهاء يروون جميع ما يحتاج الناس إليه من امر الدين والحلال والحرام عن النبي (ص) وان جميع ما أتانا عنه أربعة آلاف حديث في التفسير والحلال والحرام والفرض من الصلاة وغيرها فلابد من النظر فيما لم يأتنا من الرواية عنه فاستعمال الرأي فيه ويجوز ذلك لنا قول رسول الله صلى الله عليه وآله لمعاذ بن جبل حين وجهه إلى اليمن بم تقضى؟ - قال: بالكتاب، قال: فما لم يكن في الكتاب؟ - قال:
فبالسنة، قال: فما لم يكن في السنة؟ قال: اجتهد رأيي، قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله، فعلمنا أنه قد أوجب ان من الحكم ما لم يأت به في كتاب ولا سنة وانه لابد من استعمال الرأي، وقوله (ص): انما مثل أصحابي فيكم مثل النجوم بأيها اقتديتم اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة، فعلمنا انه لم يكلنا إلى رأيهم الا فيما لم يأتنا به ولم - يبينه لنا وتقدم في ذلك الصحابة الأولون فيما قالوا فيه برأيهم من الاحكام والمواريث

1 - ذيل آية 49 سورة النحل. 2 - آية 124 سورة البقرة.
3 - صدر آية 58 سورة النساء.
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»