اما اطلاق القول بان المتفقين لا يختلفان في الحكم، والمختلفين لا يتفقان في الحكم فغلط، والصحيح أن يقال:
ان المتفقين يتفقان (1) في الحكم يقتضيه اتفاقهما، وكذلك المختلفان لا يتفقان في الحكم الذي يقتضيه اختلافهما، لان المراعى في هذا الباب هو الأسباب والعلل، والاحكام التي يجب اتفاق المتفقات واختلاف المختلفات هي الراجعة إلى صفات الذات، وانما وجب ذلك فيها لان المتفقين قد اشتركا في سبب الحكم وعلته، والمختلفين قد افترقا في ذلك فلابد مما ذكرناه.
فاما إذا لم يكن الحكم راجعا إلى الذوات، فهو موقوف على الدلالة، فان اتفق المختلفان في علته وسببه اتفقا فيه، وان اختلف المتفقان فيما (2) اختلفا فيه، وعلى هذا لا ينكر أن يكون الحيض وان كان سببا لسقوط الصوم والصلاة معا، واتفقا في ذلك أن يختلفا في حكم اخر يوجب في أحدهما الإعادة ولا يوجبها في الاخر، فيكون الاختلاف من وجه الاتفاق من اخر وقد زال التناقض، لان القضاء إذا اختص بعلة غير علة السقوط لم يكن باتفاقهما في علة السقوط معتبر.
وفي العقل مثال ذلك: لأنا نعلم أن النفع المحض إذا حصل في الفعل اقتضى حسنه، وقد يحصل في الكذب النفع فلا يكون الا قبيحا، لان وجه قبحه هو كونه كذبا، فصار اتفاق الكذب مع غيره من الافعال في النفع لا يمنع من اختلافهما في القبح، لان ما اختلفا فيه غير ما اتفقا من اجله.
فان كان ما أورده النظام مانعا من القياس الشرعي، فيجب أن يمنع من القياس العقلي أيضا، على أنه قد اعترف بورود النص باتفاق المختلفين واختلاف المتفقين، ولم يلزمه أن يكون متناقضا، وأن يسوغ القياس (3)، واعتذر له بما يعتذر به