أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ١٤
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن الكفار كذبوه وادعوا عليه أن القرءان كذب اختلقه، وأنه أعانه على ذلك قوم آخرون جاء مبينا في آيات أخر؛ كقوله تعالى: * (وعجبوا أن جاءهم م نذر منهم وقال الكافرون هاذا ساحر كذاب) *، وقوله تعالى: * (وإذا بدلنآ ءاية مكان ءاية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون) *، وقوله تعالى: * (بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم فى أمر مريج) *، وقوله تعالى: * (وكذب به قومك وهو الحق) *، والآيات في ذلك كثيرة معلومة.
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنهم افتروا على النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أعانه على افتراء القرءان قوم آخرون جاء أيضا موضحا في آيات أخر؛ كقوله تعالى: * (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر) *، وقوله تعالى: * (فقال إن هاذا إلا سحر يؤثر) *، أي: يرويه محمد صلى الله عليه وسلم عن غيره * (إن هاذا إلا قول البشر) *، وقوله تعالى: * (وليقولوا درست) *، كما تقدم إيضاحه في (الأنعام)، وقد كذبهم الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة فيما افتروا عليه من البهتان بقوله: * (فقد جاءوا ظلما وزورا) *، قال الزمخشري: ظلمهم أن جعلوا العربي يتلقن من الأعجمي الرومي كلاما عربيا أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب، والزور هو أن بهتوه بنسبة ما هو بريء منه إليه، انتهى. وتكذيبه جل وعلا لهم في هذه الآية الكريمة، جاء موضحا في مواضع أخر من كتاب الله؛ كقوله تعالى: * (لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهاذا لسان عربى مبين) *، كما تقدم إيضاحه في سورة (النحل)، وقوله: * (وكذب به قومك وهو الحق) *، وقوله تعالى: * (فقال إن هاذا إلا سحر يؤثر * إن هاذا إلا قول البشر * سأصليه سقر * وما أدراك ما سقر) *، لأن قوله: * (سأصليه سقر) * بعد ذكر افترائه على القرءان العظيم يدل على عظم افترائه وأنه سيصلى بسببه عذاب سقر، أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها، ومن كل ما قرب إليها من قول وعمل.
واعلم: أن العرب تستعمل جاء وأتى بمعنى: فعل، فقوله: * (فقد جاءوا ظلما) *، أي: فعلوه، وقيل: بتقدير الباء، أي: جاءوا بظلم، ومن إتيان أتى بمعنى فعل قوله تعالى: * (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا) *، أي: بما فعلوه. وقول زهير بن أبي سلمى
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»