أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ١٠٦
يصادف تطليقه الثلاث محلا ورد هذا الاعتراض؛ بأن الاحتجاج بالحديث من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه إيقاع الثلاث مجموعة فلو كان ممنوعا لأنكره ولو كانت الفرقة بنفس اللعان. وبأن الفرقة لم يدل على أنها بنفس اللعان كتاب ولا سنة صريحة ولا إجماع. والعلماء مختلفون في ذلك.
فذهب مالك وأصحابه إلى أن الفرقة بنفس اللعان وإنما تتحقق بلعان الزوجين معا وهو رواية عن أحمد. وذهب الشافعي وأصحابه إلى أن الفرقة بنفس اللعان وتقع عند فراغ الزوج من أيمانه قبل لعان المرأة وهو قول سحنون من أصحاب مالك.
وذهب الثوري وأبو حنيفة وأتباعهما إلى أنها لا تقع حتى يوقعها الحاكم؛ واحتجوا بظاهر ما وقع في أحاديث اللعان فقد أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين رجل وامرأة قذفها وأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج أيضا في صحيحه عن ابن عمر من وجه آخر أنه قال: لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجل وامرأة من الأنصار وفرق بينهما. ورواه باقي الجماعة عن ابن عمر وبه تعلم أن قول يحيى بن معين: إن الرواية بلفظ فرق بين المتلاعنين خطأ يعني في خصوص حديث سهل بن سعد المتقدم لا مطلقا بدليل ثبوتها في الصحيح من حديث ابن عمر كما ترى. قال ابن عبد البر: إن أراد من حديث سهل فسهل وإلا فمردود. وقال ابن حجر في فتح الباري ما نصه: ويؤخذ منه أن إطلاق يحيى بن معين وغيره تخطئة الرواية بلفظ فرق بين المتلاعنين إنما المراد به في حديث سهل بخصوصه فقد أخرجه أبو داود من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عنه بهذا اللفظ وقال بعده لم يتابع ابن عيينة على ذلك أحد ثم أخرج من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر: فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان اه محل الغرض منه بلفظ وقد قدمنا في حديث سهل: فكانت سنة المتلاعنين.
واختلف في هذا اللفظ هل هو مدرج من كلام الزهري فيكون مرسلا وبه قال جماعة من العلماء؟ أو هو من كلام سهل فهو مرفوع متصل؟ ويؤيد كونه من كلام سهل ما وقع في حديث أبي داود من طريق عياض بن عبد الله الفهري عن ابن شهاب عن سهل. قال: فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ما صنع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة.
قال سهل: حضرت هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»