تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٩٣٤
بعدما تعذر عليكم استئنافه. ودل قوله: * (حتى زرتم المقابر) * أن البرزخ دار، المقصود منها، النفوذ إلى الدار الآخرة، لأن الله سماهم زائرين، ولم يسمهم مقيمين. فدل ذلك على البعث، والجزاء على الأعمال، في دار باقية غير فانية، ولهذا توعدهم بقوله: * (كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين) *، أي: لو تعلمون ما أمامكم، علما يصل إلى القلوب، لما ألهاكم التكاثر، ولبادرتهم إلى الأعمال الصالحة. ولكن عدم العلم الحقيقي، صيركم إلى ما ترون. * (لترون الجحيم) *، أي: لترون القيامة، فلترون الجحيم، التي أعدها الله للكافرين. * (ثم لترونها عين اليقين) *، أي: رؤية بصرية، كما قال تعالى: * (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا) *. * (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) * الذي تنعمتم به في دار الدنيا، هل قمتم بشكره، وأديتم حق الله فيه، ولم تستعينوا به على معاصيه، فينعمكم نعيما أعلى منه وأفضل. أم اغتررتم به، ولم تقوموا بشكره؟ بل ربما استعنتم به على المعاصي، فيعاقبكم على ذلك، قال تعالى: * (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون) * الآية. تم تفسير سورة التكاثر والله الحمد والفضل. سورة العصر * (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) * أقسم تعالى بالعصر، الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم أن كل إنسان خاسر، والخاسر ضد الرابح. والخسار مراتب متعددة متفاوتة: قد يكون خسارا مطلقا، كحال من خسر الدنيا، والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم. وقد يكون خاسرا من بعض الوجوه، دون بعض، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات: الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه، لا يتم إلا به. والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة، والباطنة، المتعلقة بحقوق الله، وحقوق عباده، الواجبة والمستحبة. والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه. والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة. فبالأمرين الأولين يكمل العبد نفسه، وبالأمرين الأخيرين، يكمل غيره. وبتكميل الأمور الأربعة، يكون العبد، قد سلم من الخسار، وفاز بالربح العظيم. تم تفسير سورة العصر بحمد الله وفضله. سورة الهمزة * (يل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة) * * (ويل) *، أي: وعيد، ووبال، وشدة عذاب * (لكل همزة لمزة) *، أي: الذي يهمز الناس بفعله، ويلمزهم بقوله. فالهماز: الذي يعيب الناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل، واللماز: الذي يعيبهم بقوله. ومن صفة هذا الغماز، أنه لا هم له سوى جمع المال وتعديده، والغبطة به، وليس له رغبة في إنفاقه، في طرق الخيرات، وصلة الأرحام، ونحو ذلك. * (يحسب) * بجهله * (أن ماله أخلده) * في الدنيا، فلذلك كان كده وسعيه، في تنمية ماله، الذي يظن أنه ينمي عمره. * (كلا لينبذن) *، أي: ليطرحن * (في الحطمة وما أدراك ما الحطمة) * تعظيم لها، وتهويل لشأنها. ثم فسرها بقول: * (نار الله الموقدة) * التي وقودها الناس والحجارة و * (التي) * من شدتها * (تطلع على الأفئدة) *، أي: تنفذ من الأجساد إلى القلوب. ومع هذه الحرارة البليغة هم محبوسون فيها، قد أيسوا من الخروج منها. ولهذا قال: * (إنها عليم مؤصدة) *، أي: مغلقة، * (في عمد) * من خلف الأبواب * (ممددة) * لئلا يخرجوا منها. * (كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) *. نعوذ بالله من ذلك، ونسأله العفو والعافية. سورة الفيل * (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل * وأرسل عليهم طيرا أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم
(٩٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 928 929 930 931 932 933 934 935 936 937 938 » »»