تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٩٣٢
قاصدين بجميع عباداتهم، الظاهرة والباطنة، وجه الله، وطلب الزلفى لديه. * (حنفاء) *، أي: معرضين مائلين عن سائر الأديان، المخالفين لدين التوحيد. وخص الصلاة والزكاة بالذكر، مع أنهما داخلان في قوله: * (ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * لفضلهما وشرفهما، وكونهما العبادتين اللتين من قام بهما، قام بجميع شرائع الدين. * (وذلك) * أن التوحيد والإخلاص في الدين، هما * (دين القيمة) *، أي: الدين المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم، وما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم. ثم ذكر جزاء الكافرين، بعد ما جاءتهم البينة، فقال: * (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم) * قد أحاط بهم عذابها، واشتد عليهم عقابها. * (خالدين فيها) * لا يفتر عنهم العذاب، وهم فيها مبلسون. * (أولئك هم شر البرية) * لأنهم عرفوا الحق وتركوه، وخسروا الدنيا والآخرة. * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) * لأنهم عبدوا الله وعرفوه، وفازوا بنعيم الدنيا والآخرة. * (جزاؤهم عند ربهم جنات عدن) *، أي: جنات إقامة، لا ظعن فيها ولا رحيل، ولا طلب لغاية فوقها. * (تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه) * فرضي عنهم بما قاموا به من مراضيه، ورضوا عنه، بما أعد لهم من أنواع الكرامات. * (ذلك) * الجزاء الحسن * (لمن خشي ربه) *، أي: لمن خاف الله فأحجم عن معاصيه، وقام بما أوجب عليه. تم تفسير سورة البيئنة فضل الله وتوفيقه. سورة الزلزلة * (إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها * وقال الإنسان ما لها * يومئذ تحدث أخبارها * بأن ربك أوحى لها * يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يع مل مثقال ذرة شرا يره) * يخبر تعالى، عما يكون يوم القيامة، وأن الأرض تتزلزل وترجف، وترتج، حتى يسقط ما عليها من بناء ومعلم. فتندك جبالها، وتسوى تلالها، وتكون قاعا صفصفا، لا عوج فيه ولا أمت. * (وأخرجت الأرض أثقالها) *، أي: ما في بطنها، من الأموات والكنوز. * (وقال الإنسان) * إذا رأى ما عراها من الأمر العظيم: * (ما لها) *؟، أي: أي شيء عرض لها؟ * (يومئذ تحدث) * الأرض * (أخباره) *، أي: تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها، من خير وشر، فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم. ذلك * (بأن ربك أوحى لها) *، أي: أمرها أن تخبر بما عمل عليها، فلا تعصي لأمره. * (يومئذ يصدر الناس) * من موقف القيامة * (أشتاتا) *، أي: فرقا متفاوتين. * (ليروا أعمالهم) * أي: ليريهم الله ما عملوا من السيئات والحسنات، ويريهم جزاءه موفورا. * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * وهذا شامل عام للخير والشر كله، لأنه إذا رأى مثقال الذرة، التي هي أحقر الأشياء، وجوزي عليها، فما فوق ذلك من باب أولى وأحرى، كما قال تعالى: * (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا) *، * (ووجدوا ما عملوا حاضرا) *. وهذا، فيه الترغيب في فعل الخير ولو قليلا، والترهيب من فعل الشر ولو حقيرا. تم تفسير سورة الزلزلة والحمد لله. سورة العاديات * (والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير) * أقسم تعالى بالخيل، لما فيها من آياته الباهرة، ونعمة الظاهرة، ما هو معلوم للخلق. وأقسم تعالى بها في الحال التي لا يشاركها فيه غيرها من أنواع الحيوانات، فقال: * (والعاديات ضبحا) *، أي: العاديات عدوا بليغا قويا، يصدر عنه الضبح، وهو صوت نفسها في صدرها، عند اشتداد عدوها. * (فالموريات) * بحوافرهن ما يطأن عليه من الأحجار * (قدحا) *، أي: تنقدح النار من صلابة حوافرهن وقوتهن إذا عدون. * (فالمغيرات) * على الأعداء * (صبحا) *، وهذا أمر أغلبي، أن الغارة تكون صباحا. * (فأثرن به) *، أي: بعدوهن، وغارتهن * (نقعا) *، أي: غبارا. * (فوسطن به) *، أي: براكبهن * (جمعا) *، أي: توسطن به جموع الأعداء، الذين أغار عليهم. والمقسم عليه قوله: * (إن الإنسان لربه لكنود) *، أي: منوع للخير، الذي
(٩٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 927 928 929 930 931 932 933 934 935 936 937 ... » »»