تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٦٠
إنما هو لسوء استعدادهم الذي هم عليه في نفس الأمر من غير مدخل للجعل فيه وبلسان ذلك الاستعداد طلبوا من الجواد المطلق جل وعلا ما صار سببا لظهور شقائهم اه‍، والبحث في ذلك طويل الذيل فليطلب من محله، وتقديم المعمول لرعاية رؤوس الآي.
* (مثل الذين اتخذوا من دون الله أوليآء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) * * (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء) * استئناف متضمن تقبيح حال أولئك المهلكين الظالمين لأنفسهم وأضرابهم ممن تولى غير الله عز وجل، وفيه إشارة إلى أعظم أنواع ظلمهم فالمراد بالموصول جميع المشركين الذين عبدوا من دون الله عز وجل الأوثان.
وجوز أن يكون جميع من اتخذ غيره تعالى متكلا ومعتمدا آلهة كان ذلك أو غيرها، ولذا عدل إلى أولياء من آهلة أي صفتهم أو شبههم * (كمثل العنكبوت) * أي كصفتها أو شبهها.
* (اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) * بيانا لصفة العنكبوت التي يدور عليها أمر التشبيه، والجملة على ما نقل عن الأخفش من لزوم الوقف على العنكبوت مستأنفة لذلك * (وإن أوهن البيوت) * الخ في موضع الحال من فاعل اتخذت المستكن فيه، وجوز كونه في موضع الحال من مفعوله بناء على جواز مجيء الحال من النكرة، وعلى الوجهين وضع المظهر موضع الضمير الراجع إلى ذي الحال، والجملة من تتمة الوصف. واللام في البيوت للاستغراق، والمعنى مثل المتخذين لهم من دون الله تعالى أولياء في اتخاذهم إياهم كمثل العنكبوت وذلك أنها اتخذت لها بيتا والحال أن أوهن كل البيوت وأضعفها بيتها، وهؤلاء اتخذوا لهم من دون الله تعالى أولياء والحال أن أوهن كل الأولياء وأضعفها أولياؤهم، وإن شئت فقل: إنها اتخذت بيتا في غاية الضعف وهؤلاء اتخذوا لها أو متكلا في غاية الضعف فهم وهي مشتركان في اتخاذ ما هو في غاية الضعف في بابه، ويجوز أن تكون جملة اتخذت حالا من العنكبوت بتقدير قد أو بدونها أو صفة لها لأن أل فيها للجنس، وقد جوزوا الوجهين في الجمل الواقعة بعد المعرف بأل الجنسية نحو قوله تعالى: * (كمثل الحمار يحمل أسفارا) * (الجمعة: 5) وعن الفراء أن الجملة صلة لموصول محذوف وقع صفة * (العنكبوت) * أي الت ياتخذت، وخرج الآية التي ذكرناها على هذا واختار حذف الموصول في مثله ابن درستويه، وعليه لا يوقف على العنكبوت، وأنت تعلم أن كون الجملة صفة أظهر. والمعنى حينئذ مثل المشرك الذي عبد الوثن بالقياس إلى الموحد الذي عبد الله تعالى كمثل عنكبوت اتخذت بيتا بالإضافة إلى رجل بني بيتا بآجر وجص أو نحته من صخر وكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتا بيتا بيت العنكبوت كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها دينا دينا عبارة الأوثان، وهو وجه حسن ذكره الزمخشري في الآية، وقد اعتبر فيه تفريق التشبيه، والغرض إبراز تفاوت المتخذين والمتخذ مع تصوير توهين أمر أحدهما وادماج توطيد الآخر، وعليه يجوز أن يكون قوله تعالى: * (وإن أوهن البيوت) * جملة حالية لأنه من تتمة التشبيه، وإن يكون اعتراضية لأنه لو لم يؤت به لكان في ضمنه ما يرشد إلى هذا المعنى وإلى كونه جملة حالية ذهب الطيبي.
وقال " صاحب الكشف ": كلام الزمخشري إلى كونه اعتراضية أقرب لأن قوله: وكما أن أوهن البيوت الخ ليس فيه إيماء إلى تقييد الأول، وقد تعقب أبو حيان هذا الوجه بأنه لا يدل عليه لفظ الآية، وإنما هو تحميل اللفظ ما لا يحتمله كعادته في كثير من " تفسيره "، وهذه مجازفة على " صاحب الكشاف " كما لا يخفى، ويجوز أن يكون المعنى مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء فيما اتخذوه معتمدا ومتكلا في دينهم وتولوه من دون
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 » »»