تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٥٨
والمراد ذكر قصتهما أو باضمار اذكر خطابا له صلى الله عليه وسلم، وجملة * (قد تبين) * حيالية، وقيل: هي بتقدير القول أي وقل: قد تبين، وجوز أن تكون معطوفة على جملة واقعة في حيز القول أي اذكر عادا وثمود قائلا قر مررتم على مساكنهم وقد تبين لكمن الخ، وفاعل تبين الإهلاك الدال عليه الكلام أو مساكنهم على أن * (من) * زائدة في الواجب، ويؤيده قراءة الأعمش * (مساكنهم) * بالرفع من غير من، وكون * (من) * هي الفاعل على أنها اسم بمعنى بعض مما لا يخفى حاله.
وقيل: هما منصوبان بالعطف على الضمير في * (فأخذتهم الرجفة) * (العنكبوت: 37) والمعنى يأباه، وقال الكسائي: منصوبان بالعطف على الذين من قوله تعالى: * (ولقد فتنا الذين من قبلهم) * (العنكبوت: 3) وهو كما ترى، والزمخشري لم يذكر في ناصبهما سوى ما ذكرناه أولا وهو الذي ينبغي أن يعول عليه. وقرأ أكثر السبعة * (وثمودا) * بالتنوين بتأويل الحي، وهو على قراءة ترك التنوين بتأويل القبيلة، وقرأ ابن وثاب * (وعاد وثمود) * بالخفض فيهما والتنوين عطفا على مدين على ما في " البحر " أي وأرسلنا إلى عاد وثمود * (وزين لهم الشيط‍ان) * بوسوسته وإغوائه * (أعمالهم) * القبيحة من الكفر والمعاصي * (فصدهم عن السبيل) * أي الطريق المعهود وهو السوي الموصل إلى الحق، وحمله على الاستغراق حصرا له في الموصل إلى النجاة تكلف * (وكانوا) * أي عاد وثمود لا أهل مكة كما توهم.
* (مستبصرين) * أي عقلاء يمكنهم التمييز بين الحق والباطل بالاستدلال والنظر ولكنهم أغفلوا ولم يتدبروا وقيل: عقلاء يعلمون الحق ولكنهم كفروا عنادا وجحودا، وقيل: متبينين أن العذاب لاحق بهم بأخبار الرسل عليهم السلام لهم ولكنهم لجوا حتى لقوا ما لقوا.
وعن قتادة. والكلبي. كما في " مجمع البيان " أن المعنى كانوا مستبصرين عند أنفسهم فيما كانوا عليه من الضلالة يحسبون أنهم على هدى. وأخرج ابن المنذر وجماعة عن قتادة أنه قال: أي معجبين بضلالتهم وهو تفسير بحاصل ما ذكر، وهو مروي كما في " البحر " عن ابن عباس. ومجاهد. والضحاك، والجملة في موضع الحال بتقدير قد أو بدونها.
* (وق‍ارون وفرعون وه‍ام‍ان ولقد جآءهم موسى بالبين‍ات فاستكبروا فى الارض وما كانوا س‍ابقين) * * (وق‍ارون وفرعون وه‍ام‍ان) * معطوف على عادا، وتقدم قارون لأن المقصود تسلية النبي صلى الله عليه وسلم فيما لقي من قومه لحسدهم له، وقارون كان من قوم موسى عليه السلام وقد لقي منه ما لقي، أو لأن حاله أوفق بحال عاد أو ثمود فإنه كان من أبصر الناس وأعلمهم بالتوراة ولم يفده الاستبصار شيئا كما لم يفدهم كونهم مستبصرين شيئا، أو لأن هلاكه كان قبل هلاك فرعون وهامان فتقديمه على وفق الواقع، أو لأنه أشرف من فرعون وهامان لايمانه في الظاهر وعلمه بالتوراة وكونه ذا قرابة من موسى عليه السلام، ويكون في تقديمه لذلك في مقام الغضب إشارة إلى أن نحو هذا الشرف لا يفيد شيئا ولا ينقذ من غضب الله تعالى على الكفر * (ولقد جاءهم موسى بالبين‍ات فاستكبروا) * عن الأيمان والطاعة * (في الأرض) * إشارة إلى قلة عقولهم لأن من في الأرض لا ينبغي له أن يستكبر.
* (وما كانوا س‍ابقين) * أي فائتين أمر الله تعالى، من قولهم: سبق طالبه أي فاته ولم يدركه، ولقد أدركهم أمره تعالى أي إدراك فتداركوا نحو الدمار والهلاك، وقال أبو حيان: المعنى وما كانوا سابقين الأمم إلى الفكر أي تلك عادة الأمم مع رسلهم عليهم السلام، وليس بذاك وأيا ما كان فالظاهر أن ضمير كانوا القارون
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»