تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢٥١
وقال الخفاجي: هي حال بتقدير قد أو معطوفة على مقدر أي كفروا وكانوا أو على ما قبلها، وقد شنع الزمخشري بما ذكر من السؤال والجواب على أهل السنة فقال: فيه كسر بين لقول من يزعم أن الله تعالى يضل عباده على الحقيقة حيث يقول سبحانه للمعبودين من دونه: أأنتم أضللتم أم هم ضلوا بأنفسهم فيتبرؤن من إضلالهم ويستعيذون به أن يكونوا مضلين ويقولون: بل أنت تفضلت من غير سابقة على هؤلاء وآبائهم تفضل جواد كريم فجعلوا النعمة التي حقها أن تكون سبب الشكر سبب الكفر ونسيان الذكر وكان ذلك سبب هلاكهم فإذا برأت الملائكة والرسل عليهم السلام أنفسهم من نسبة الإضلال الذي هو عمل الشياطين إليهم واستعاذوا منه فهم لربهم الغني العدل أشد تبرئة وتنزيها منه. ولقد نزهوه تعالى حين أضافوا إليه سبحانه التفضل بالنعمة والتمتيع بها وأسندوا نسيان الذكر والتسبب به للبوار إلى الكفرة فشرحوا الإضلال المجازي الذي أسنده الله تعالى إلى ذاته في قوله سبحانه: * (يضل من يشاء) * ولو كان سبحانه هو المضل على الحقيقة لكان الجواب العتيد أن يقولوا بل أنت أضللتهم انتهى. وأجاب صاحب الفرائد عن قوله: فيتبرؤن من إضلالهم الخ بأنهم إنما تبرؤا لأنهم يستحقون العذاب بإضلالهم ولم يكن منهم فوجب عليهم أن يقولوا ذلك ليندفع عنهم ما يستحقون به من العذاب وذلك أنهم مسؤولون عما يفعلون والله عز وجل لا يسأل عما يفعل فيلحق بهم النقصان إن ثبت عليهم ولا يمكن لحوقه به تعالى لأنه سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وعن قوله: ولقد نزهوه حيث أضافوا الخ بأن قولهم ولكن متعتهم الخ لا ينافي نسبة الإضلال إليه سبحانه على الحقيقة وأيضا ما يؤدي إلى الضلال إذا كان منه تعالى وكان معلوما له عز وجل أنهم يضلون به كان فيه ما في الإضلال بالحقيقة فوجب على مذهبه أنه لا يجوز عليه سبحانه مع أنهم نسبوه إليه سبحانه، وعن قوله: ولو كان تعالى هو المضل على الحقيقة لكان الجواب العتيد أنت أضللتهم بأن هذا غير مستقيم لأنه تعالى ما سألهم إلا عن أحد الأمرين وما ذكر لا يصلح جوابا له بل هو جواب لمن قال: من أضلهم انتهى، وذكر في " الكشف " جوابا عن الأخير أنه ليس السؤال عن تعيين من أضل لأنه تعالى عالم به وإنما هو سؤال تقريع على نحو * (أأنت قلت للناس) * (المائدة: 116) الخ وقد اقتدى بالإمام في ذلك، وذكر أيضا قبل هذا الجواب أنه لو قيل: إن في * (متعتهم وآباءهم) * ما يدل على أنه تعالى الفاعل الحقيقي للإضلال وأنه لا ينسب إليه سبحانه أدبا لكان وجها ولا ينبغي أن يكون ذلك بعد التسليم المقصود من الجواب بمتعتهم الخ بأن يكون المراد الجواب بأنت أضللتهم لكن عدل عنه إلى ما في " النظم الجليل " أدبا لأن الجواب بذلك مما لا يقتضيه السياق كما لا يخفى.
وقال ابن المنير: إن جواب المسؤولين بما ذكر يدل على معتقدهم الموافق لما عليه أهل الحق لأن أهل الحق يعتقدون أن الله تعالى وإن خلق الضلال إلا أن للعباد اختيارا فيه وعندهم أن كل فعل اختياري له نسبتان إن نظر إلى كونه مخلوقا فهو منسوب إلى الله تعالى وإن نظر إلى كونه مختارا للعبد فهو منسوب للعبد وهؤلاء المجيبون نسبوا النسيان أي الانهماك في الشهوات الذي ينشأ عنه النسيان إلى الكفرة لأنهم اختاروه لأنفسهم فصدقت نسبته إليهم ونسبوا السبب الذي اقتضى نسيانهم وانهماكهم في الشهوات إلى الله تعالى وهو استدراجهم ببسط النعم عليهم وصبها صبا فلا تنافي بين معتقد أهل الحق ومضمون ما قالوا في الجواب بل هما متواطئان على أمر واحد انتهى.
ولا يخفى ما في بيان التوافق من النظر، وقد يقال: حيث كان المراد من الاستفهام تقريع المشركين وعلم
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 » »»