تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٨
يوجب تغير بدنه الخاص لم يبعد أيضا أن يكون بعض النفوس بحيث تتعدى تأثيراتها إلى سائر الأبدان، وأيضا جواهر النفوس مختلفة فلا يمتنع أن يكون بعض النفوس بحيث تؤثر في تغير بدن حيوان آخر بشرط أن تراه أو ترى مثاله على ما نقل وتتعجب منه، ومتى ثبت أن ذلك غير ممتنع وكانت التجارب شاهدة بوقوعه وجب القول به من غير تلعثم، ولأن وقوع ذلك أكثرى عند أعمال العين والنظر بها إلى الشيء نسب التأثير إلى العين وإلا فالمؤثر إنما هو النفس، ونسبة التأثير إليها كنسبة الإحراق إلى النار والري إلى الماء ونحو ذلك، والفاعل للآثار في الحقيقة هو الله عز سلطانه بالإجماع، لكن جرت عادته تعالى على خلقها بالأسباب من غير توقف عقلي عليها كما يظن جهلة الفلاسفة على ما نقل عن السلف أو عند الأسباب من غير مدخلية لها بوجه من الوجوه على ما شاع عن الأشعري.
فمعنى قوله عليه الصلاة والسلام: " العين حق " أن اصابة النفس بواسطتها أمر كائن مقضى به في الوضع الالهي لا شبهة في تحققه وهو كسائر الآثار المشاهدة لنحو النار والماء والأدوية مثلا. وأنت تعلم أن مدار كل شيء المشيئة الإلهية فما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ يكن، وحكمة خلق الله تعالى التأثير في مسألة العين أمر مجهول لنا. وزعم أبو هاشم. وأبو القاسم البلخي أن ذلك مما يرجع إلى مصلحة التكليف قالا: لا يمتنع أن تكون العين حقا على معنى أن صاحب العين إذا شاهد الشيء وأعجب به استحسانا كان المصلحة له في تكليفه أن يغير الله تعالى ذلك الشيء حتى لا يبقى قلب ذلك المكلف متعلقا به، ثم لا يبعد أيضا أنه لو ذكر ربه عند تلك الحالة وعدل عن الإعجاب وسأل ربه سبحانه بقاء ذلك مما تتغير المصلحة فيبقيه الله تعالى ولا يفنيه وهو كما ترى، ثم ان ما أشار إليه من نفع ذكر الله تعالى والالتجاء إليه سبحانه حق، فقد صرحوا بأن الأدعية والرقي من جملة الأسباب لدفع أذى العين بل إن من ذلك ما يكون سببا لرد سهم العائن إليه. فقد أخرج ابن عساكر أن سعيد الساحي قيل له: احفظ ناقتك من فلان العائن فقال: لا سبيل له إليها فعانها فسقطت تضطرب فأخبر الساحي فوقف عليها فقال: حبس حابس وشهاب قابس رددت عين العائن عليه وعلى أحب الناس إليه وعلى كبده وكليتيه رشيق وفي ماله يليق * (فارجع البصر هل ترى من فطور) * (الملك: 3) الآية فخرجت حدقتا العائن وسلمت الناقة. ويدل على نفع الرقية من العين مشروعيتها كما تدل عليه الآثار، وقد جاء في بعضها أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا رقية إلا من عين أو حمة " والمراد منه أنه لا رقية أولى وأنفع من رقية العين والحمة وإلا فقد رقى صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه من غيرهما. وينبغي لمن علم من نفسه أنه ذو عين أن لا ينظر إلى شيء نظر إعجاب وأن يذكر الله تعالى عند رؤية ما يستحسن. فقد ذكر غير واحد من المجربين أنه إذا فعل ذلك لا يؤثر، ونقل الأجهوري أنه يندب أنه يعوذ المعين فيقول اللهم بارك فيه ولا تضره ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وفي تحفة المحتاج أن من أدويتها أي العين المجربة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها أن يتوضأ العائن إلى آخر ما ذكرناه آنفا وأن يدعو للمعين وأن يقول المعين ما شاء الله لا قوة إلا بالله حصنت نفسي بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنها السوء بألف لا حول ولا قوة إلا بالله، ويسن عند القاضي لمن رأى نفسه سليمة وأحواله معتدلة أن يقول ذلك. وفي شرح مسلم عن العلماء أنه على السلطان منع من عرف بذلك من مخالطة الناس ويرزقه من بيت المال إن كان فقيرا فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي منعه عمر رضي الله تعالى عنه من مخالطة الناس. ورأيت لبعض أصحابنا أيضا القول بندب
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»