تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٦
والكرامات والإلهامات والمنامات وأنواع السحر والأعين والنيرنجات ونحو ذلك. أما النوع الأول: أعني تأثير النفساني في مثله - فكتأثير المبادى العالية في النفوس الإسلامية بإفاضة العلوم والمعارف، ويندرج في ذلك صنفان:
أحدهما: ما يتعلق بالعلم الحقيقي بأن يلقى إلى النفس المستعدة لذلك كمال العلم من غير واسطة تعليم وتعلم حتى تحيط بمعرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بحسب الطاقة البشرية كما ألقى إلى نبينا صلى الله عليه وسلم علوم الأولين والآخرين مع أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يتلوه من قبل كتابا ولا يخطه بيمينه.
وثانيهما: ما يتعلق بالتخيل القوي بأن يلقى إلى من يكون مستعدا له ما يقوى به على تخيلات الأمور الماضية والإطلاع على المغيبات المستقبلة، والمنامات الإلهامات داخلة أيضا تحت هذا النوع، وقد يدخل تحته نوع من السحر وهو تأثير النفوس البشرية القوية فيها قوتا التخيل والوهم في نفوس بشرية أخرى ضعيفة فيها هاتان القوتان كنفوس البله والصبيان والعوام الذين لم تقوقوتهم العقلية فتتخيل ما ليس بموجود في الخارج موجودا فيه وما هو موجود فيه على ضد الحال الذي هو عليها؛ وقد يستعان في هذا القسم من السحر بأفعال وحركات يعرض منها للحس حيرة وللخيال دهشة ومن ذلك الاستهتار في الكلام والتخليط فيه. وأما النوع الثاني: - أعني تأثير النفساني في الجسماني - فكتأثير النفوس الإنسانية في الأبدان من تغذيتها وإنمائها وقيامها وقعودها إلى غير ذلك ومن هذا القبيل صنف من المعجزات وهو ما يتعلق بالقوة المحركة للنفس بأن تبلغ قوتها إلى حيث تتمكن من التصرف في العالم تمكنها من التصرف في بدنها كتدمير قوم بريح عاصفة أو صاعقة أو زلزلة أو طوفان وربما يستعان فيه بالتضرع والابتهال إلى المبادي العالية كأن يستسقى للناس فيسقون ويدعو عليهم فيهلكون ولهم فينجون، ويندرج في هذا صنف من السحر أيضا كما في بعض النفوس الخبيثة التي تقوى فيها القوة الوهمية بسبب من الأسباب كالرياضة والمجاهدة مثلا فيسلطها صاحبها على التأثير فيمن أراده بتوجه تام وعزيمة صادقة إلى أن يحصل المطلوب الذي هو تأثره بنحو مرض وذبول جسم ويصل ذلك إلى الهلاك، وأما النوع الثالث: وهو تأثير الجسماني في الجسماني فكتأثير الأدوية والسموم في الأبدان ويدخل فيه أنواع النيرنجات والطلسمات فإنهما بتأثير بعض المركبات الطبيعية في بعض بسبب خواص فيها كجذب المغناطيس للحديد واختطاف الكهرباء التبن، وقد يستعان في ذلك بتحصين المناسبات بالأجرام العلوية المؤثرة في عالم الكون والفساد كما يشاهد في أشكال موضوعة في أوقات مخصوصة على أوضاع معلومة في مقابلة بعض الجهات ومسامتة بعض الكواكب يستدفع بها كثير من أذية الحيوانات. وأما النوع الرابع: وهو تأثير الجسماني في النفساني فكتأثير الصور المستحسنة أو المستقبحة في النفوس الإنسانية من استمالتها إليها وتنفيرها عنها وعد من ذلك تأثير أصناف الأغاني والرقص والملاهي في بعض النفوس وتأثير البيان فيمن له ذوق كما يشير إليه قوله عليه الصلاة السلام: " إن من البيان لسحرا " إذا تمهد هذا فاعلم أنهم اختلفوا في إصابة العين فأبو علي الجبائي أنكرها إنكارا بليغا ولم يذكر لذلك شبهة فضلا عن حجة وأثبتها غيره من أهل السنة. والمعتزلة. وغيرهم إلا أنهم اختلفوا في كيفية ذلك فقال الجاحظ: إنه يمتد من العين أجزاء فتصل بالشخص المستحسن فتؤثر فيه تأثير السم في الأبدان فالتأثير عنده من تأثير الجسماني في الجساني.
وضعف ذلك القاضي بأنه لو كان الأمر كما قال لوجب أن تؤثر العين في الشخص الذي لا يستحسن كتأثيرها فيما يستحسن. وتعقبه الإمام بأنه تضعيف ضعيف، وذلك لأنه إذا استحسن العائن شيئا فأما أن
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»