تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ٢٠٧
أبشركم ثوابه إن آمنتم وتمحضتم في عبادته عز وجل، وجوز كون * (من) * صلة النذير والضمير إما له تعالى أيضا، والمعنى حينئذ على ما قال أبو البقاء نذير من أجل عذابه وإما للكتاب على معنى إني لكن نذير من مخالفته وبشير لمن آمن به، وقوله تعالى:
* (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإنيأخاف عليكم عذاب يوم كبير) * * (وأن استغفروا ربكم) * عطف على * (أن لا تعبدوا إلا الله) * سواء كان نهيا أو نفيا وفي * (أن) * الاحتمالان السابقان وقد علمت أن الحق أن * (أن) * المصدرية توصل بالأمر والنهي كما توصل بغيرهما، وفي توسيط جملة * (إني لكم) * الخ بين المتعاطفين ما لا يخفى من الإشارة إلى علو شأن التوحيد ورفعة قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روعي في تقديم الانذار على التبشير ما روعي في الخطاب من تقديم النفي على الإثبات والتخلية على التحلية لتتجاوب الأطراف، والتعرض لوصف الربوبية تلقين للمخاطبين وأرشاد لهم إلى طريق الابتهال في السؤال وترشيح لما يذكر من التمتيع وإيتاء الفضل، وقوله سبحانه: * (ثم توبوا إليه) * عطف على * (استغفروا) * واختلف في توجيه توسيط * (ثم) * بينهما مع أن الاستغفار بمعنى التوبة في العرف فقال الجبائي: إن المراد بالاستغفار هنا التوبة عما وقع من الذنوب وبالتوبة الاستغفار عما يقع منها بعد وقوعه أي استغفروا ربكم من ذنوبكم التي فعلتموها ثم توبوا إليه من ذنوب تفعلونها، فكلمة * (ثم) * على ظاهرها من التراخي في الزمان، وقال الفراء: إن * (ثم) * بمعنى الواو كما في قوله: بهز كهز الرديني * جرى في الأنابيب ثم اضطرب والعطف تفسيري، وقيل: لا نسلم أن الاستغفار هو التوبة بل هو ترك المعصية والتوبة هي الرجوع إلى الطاعة ولئن سلم أنهما بمعنى - فثم - للتراخي في الرتبة، والمراد بالتوبة الإخلاص فيها والاستمرار عليها وإلى هذا ذهب صاحب الفرائد. وقال بعض المحققين: الاستغفار هو التوبة إلا أن المراد بالتوبة في جانب المعطوف التوصل إلى المطلوب مجازا من إطلاق السبب على المسبب، و * (ثم) * على ظاهرها وهي قرينة على ذلك.
وأنت تعلم أن أصل معنى الاستغفار طلب الغفر أي الستر ومعنى التوبة الرجوع، ويطلق الأول على طلب ستر الذنب من الله تعالى والعفو عنه والثاني على الندم عليه مع العزم على عدم العود فلا اتحاد بينهما بل ولا تلازم عقلا، لكن اشترط شرعا لصحة ذلك الطلب وقبوله الندم على الذنب مع العزم على عدم العود إليه، وجاء أيضا استعمال الأول في الثاني، والاحتياج إلى توجيه العطف على هذا ظاهر، وأما على ذاك فلأن الظاهر أن المراد من الاستغفار المأمور به الاستغفار المسبوق بالتوبة بمعنى الندم فكأنه قيل: استغفروا ربكم بعد التوبة ثم توبوا إليه ولا شبهة في ظهور احتياجه إلى التوجيه حينئذ، والقلب يميل فيه إلى حمل الأمر الثاني على الإخلاص في التوبة والاستمرار عليها، والتراخي عليه يجوز أن يكون رتبيا وأن يكون زمانيا كما لا يخفى * (يمتعكم متاعا حسنا) * مجزوم بالطلب، ونصب * (متاعا) * على أنه مفعول مطلق من غير لفظه كقوله تعالى: * (أنبتكم من الأرض نباتا) * ويجوز أن يكون مفعولا به على أنه اسم لما ينتفع به من منافع الدنيا من الأموال والبنين وغير ذلك، والمعنى كما قيل يعشكم في أمن وراحة، ولعل هذا لا ينافي كون الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ولا كون أشد الناس بلاء الامثل فالأمثل لأن المراد بالأمن أمنه من غير الله تعالى * (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) * (الطلاق: 3) وبالراحة طيب عيشه برجاء الله تعالى والتقريب إليه حتى يعد المحنة منحة:
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 » »»