تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٩٥
وأحكامه لما على قلوبهم من الطبع تأبى الأول. وتعقب بأن المعنى يقدره عليهم فلا إباء، ويفسر * (الذين لا يعقلون) * بما يكون به تأسيسا كما سمعت في تفسيره، ومنه تعلم أن الفعل منزل منزلة اللازم أوله مفعول مقدر، وقد يفرق بين التفسيرين بأنهم على الأول لم يسلبوا قوة النظر لكنهم لم يوفقوا لذلك وعلى الثاني بخلافه والأمر الآتي ظاهر في الأول، والجملة معطوفة على مقدر كأنه قيل: فيأذن لهم بالإيمان ويجعل الخ أو فيأذن لبعضهم بذلك ويجعل الخ. وقرىء * (الرجز) * بالزاي؛ وقرأ حماد. ويحيى عن أبي بكر * (ونجعل) * بالنون.
* (قل انظروا ماذا فى السم‍اوات والارض وما تغنى الآي‍ات والنذر عن قوم لا يؤمنون) * * (قل انظروا) * خطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم أن يأمر الكفرة الذين هو عليه الصلاة والسلام بين ظهرانيهم بالتفكر في ملكوت السموات والأرض وما فيهما من عجائب الآيات الآفاقية والأنفسية ليتضح له صلى الله عليه وسلم أنهم من الذين لا يعقلون؛ وكأنه متعلق بما عنده، وتعليقه بقوله سبحانه: * (أفأنت تكره الناس) * (يونس: 99) الخ على معنى لا تكره الناس على الإيمان ولكن اؤمرهم بما يتوصل به إليه عادة من النظر لا يخلو عن النظر، وقيل: إنه تعالى لما أفاد فيما تقدم أن الإيمان ولكن أؤمرهم بما يتوصل به إليه عادة من النظر لا يخلو عن النظر، وقيل: إنه تعالى لما أفاد فيما تقدم أن الإيمان بخلقه سبحانه وأنه لا يؤمن من يؤمن إلا من بعد إذنه وأن الذين حقت عليهم الكلمة لا يؤمنون أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يأمر بالنظر لئلا يزهد فيه بعد تلك الإفادة، وأرى الأول أولى، وجاء ضم لام قل وكسرها وهما قراءتان سبعيتان، وقوله سبحانه: * (ماذا في السموات والأرض) * في محل نصب بإسقاط الخافض لأن الفعل قبله معلق بالاستفهام لأن * (ما) * استفهامية وهي مبتدأ و * (ذا) * بمعنى الذي والظرف صلته وهو خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون * (ماذا) * كله اسم استفهام مبتدأ والظرف خبره أي أي شيء بديع في السموات والأرض من عجائب صنعته تعالى الدالة على وحدته وكمال قدرته جل شأنه.
وجوز أن يكون * (ماذا) * كله موصولا بمعنى الذي وهو في محل نصب بالفعل قبله، وضعفه السمين بأنه لا يخلو حينئذ من أن يكون النظر قلبيا كما هو الظاهر فيعدى بفي وأن يكون بصريا فيعدى بإلى.
* (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) * أي ما تكفيهم وما تنفعهم، وقرىء بالتذكير، والمراد بالآيات ما أشير إليه بقوله سبحانه: * (ماذا في السموات والأرض) * ففيه إقامة الظاهر مقام المضمر * (والنذر) * جمع نذير بمعنى منذر أي الرسل المنذرون أو بمعنى إنذار أي الإنذارات، وجمع لإرادة الأنواع، وجوز أن يكون * (النذر) * نفسه مصدرا بمعنى الإنذار، والمراد بهؤلاء القوم المطبوع على قلوبهم أي لا يؤمنون في علم الله تعالى وحكمه و * (ما) * نافية والجملة اعتراضية، وجوز أن تكون في موضع الحال من ضمير * (قل) * وفي القلب من جعلها حالا من ضمير * (انظروا) * شيء فانظروا، ويتعين كونها اعتراضية إذا جعلت * (ما) * استفهامية إنكارية، وهي حينئذ في موضع النصب على المصدرية للفعل بعدها أو على أنه مفعول به له، والمفعول على هذا وكذا على احتمال النفي محذوف إن لم ينزل الفعل منزلة اللازم أي ما تغنى شيئا.
* (فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إنى معكم من المنتظرين) * * (فهل ينتظرون) * أي هؤلاء المأمورون بالنظر من مشركي مكة وأشرافهم * (إلا مثل أيام الذين خلوا) * أي مثل وقائعهم ونزول بأس الله تعالى بهم إذ لا يستحقون غير ذلك، وجاء استعمال الأيام في الوقائع كقولهم: أيام العرب، وهو مجاز مشهور من التعبير بالزمان عما وقع فيه كما يقال: المغرب للصلاة الواقعة فيه، والمراد بالموصول المشركون من الأمم الماضية * (من قبلهم) * متعلق - بخلوا - جىء به للتأكيد والإيماء بأنهم سيخلون كما خلوا * (قل) * تهديدا
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»