تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ٢٠
" صلاة في مسجد قباء كعمرة " قال الترمذي. لا نعرف لأسيد هذا شيئا يصح غير هذا الحديث، وفي معناه ما أخرجه أحمد. والنسائي عن سهل بن حنيف. وأخرج ابن سعد عن ظهير بن رافع الحارثي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صلى في مسجد قباء يوم الاثنين والخميس انقلب بأجر عمرة " وذهب جماعة إلى أنه مسجد المدينة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستدلوا بما أخرجه مسلم. والترمذي. وابن جرير. والنسائي. وغيرهم عن أبي سعيد الخدري قال: اختلف رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى. فقال أحدهما: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيا رسول الله عليه الصلاة والسلام فسألاه عن ذلك فقال: هو هذا المسجد لمسجده صلى الله عليه وسلم وقال: في ذلك خير كثير يعني مسجد قباء. وجاء في عدة روايات أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن ذلك فقال: هو مسجدي هذا، وأيد القول الأول بأنه الأوفق بالسباق واللحاق وبأنه بني قبل مسجد المدينة، وجمع الشريف السمهودي بين الأخبار وسبقه إلى ذلك السهيلي وقال: كل من المسجدين مراد لأن كلا منهما أسس على التقوى من أوب يوم تأسيسه، والسر في إجابته صلى الله عليه وسلم السؤال عن ذلك بما في الحديث دفع ما توهمه السائل من اختصاص ذلك بمسجد قباء والتنويه بمزية هذا على ذاك، ولا يخفى بعد هذا الجمع فإن ظاهر الحديث الذي أخرجه الجماعة عن أبي سعيد الخدري بمراحل عنه، ولهذا اختار بعض المحققين القول الثاني وأيده بأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أحق بالوصف بالتأسيس على التقوى من أول يوم وبأن التعبير بالقيام عن الصلاة في قوله سبحانه: * (أحق أن تقوم فيه) * يستدعي المداومة، ويعضده توكيد النهي بقوله تعالى: * (أبدا) * ومداومة الرسول عليه الصلاة والسلام لم توجد إلا في مسجده الشريف عليه الصلاة والسلام.
وأما ما رواه الترمذي. وأبو داود عن أبي هريرة من أن قوله جل وعلا: * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) * نزلت في أهل قباء وكانوا يستنجون بالماء فهو لا يعارض نص رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما ما رواه ابن ماجه عن أبي أيوب. وجابر. وأنس من أن هذه الآية لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الأنصار إن الله تعالى قد أثني عليكم خيرا في الطهور فما طهوركم هذا؟ قالوا: نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة قال: فهل مع ذلك غير؟ قالوا: لا غير إن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجي باملاء. قال عليه الصلاة والسلام: هو ذاك فعليكموه " فلا يدل على اختصاص أهل قباء ولا ينافي الحمل على أهل مسجده صلى الله عليه وسلم من الأنصار، وأنا أقول: قد كثرت الأخبار في نزول هذه الآية في أهل قباء. فقد أخرج أحمد. وابن خزيمة. والطبراني. وابن مردويه. والحاكم عن عويم بن ساعدة الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال: " إن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟ فذكروا أنهم كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط ".
وأخرج أحمد. وابن أبي شيبة. والبخاري في تاريخه. والبغوي في معجمه. وابن جرير. والطبراني عن محمد بن عبد الله بن سلام عن أبيه نحو ذلك، وأخرج عبد الرزاق. والطبراني عن أبي أمامة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأهل قباء ما هذا الطهور الذي خصصتم به في هذه الآية * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) *؟ قالوا: يا رسول الله ما منا أحد يخرج من الغائط إلا غسل مقعدته ".
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»