تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٦
تقرير لما يقرره مع زيادة معنى ليس فيه أي ألم يعلموا أنه سبحانه المختص المستأثر ببلوغ الغاية القصوى من قبول التوبة والرحمة وذلك شأن من شؤونه وعادة من عوائده المستمرة، وقيل غير ذلك، والجملتان في حيز النصب بيعلموا يسد كل واحدة منهما مسد مفعوليه.
* (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى ع‍الم الغيب والشه‍ادة فينبئكم بما كنتم تعملون) * * (وقل اعملوا) * ما تشاؤون من الأعمال * (فسيرى الله عملكم) * خيرا كان أو شرا، والجملة تعليل لما قبله أو تأكيد لما يستفاد منه من الترغيب والترهيب والسين للتأكيد كما قررنا أي يرى الله تعالى البتة * (ورسوله والمؤمنون) * عطف على الاسم الجليل، والتأخير عن المفعول للاشعار بما بين الرؤيتين من التفاوت، والمراد من رؤية العمل عند جمع الاطلاع عليه وعلمه علما جليا، ونسبة ذلك للرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين باعتبار أن الله تعالى لا يخفى ذلك عنهم ويطلعهم عليه أما بالوحي أو بغيره.
وأخرج أحمد. وابن أبي الدنيا في الاخلاص عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لأخرج الله تعالى عمله للناس كائنا ما كان " وتخصيص الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين بالذكر على هذا لأنهم الذين يعبأ المخاطبون باطلاعهم، وفسر بعضهم المؤمنين بالملائكة الذين يكتبون الأعمال وليس بشيء، ومثله بل أدهى وأمر ما زعمه بعض الأمامية إنهم الأئمة الطاهرون ورووا أن الأعمال تعرض عليهم في كل اثنين وخميس بعد أن تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم.
وجوز بعض المحققين أن يكون العلم هنا كناية عن المجازاة ويكون ذلك خاصا بالدنيوي من إظهار المدح والاعزاز مثلا وليس بالردىء، وقيل: يجوز إبقاء الرؤية على ما يتبادر منها. وتعقب بأن فيه التزام القول برؤية المعاني وهو تكلف وإن كان بالنسبة إليه تعالى غير بعيد، وأنت تعلم أن من الأعمال ما يرى عادة كالحركات ولا حاجة فيه إلى حديث الالتزام المذكور على أن ذلك الالتزام في جانب المعطوف لا يخفى ما فيه.
وأخرج ابن أبي شيبة. وغيره عن سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ * (فسيرى الله عملكم) * أي فسيظهره * (وستردون) * أي بعد الموت * (إلى ع‍الم الغيب) * ومنه ما سترونه من الأعمال * (والشه‍ادة) * ومنها ما تظهرونه، وفي ذكر هذا العنوان من تهويل الأمر وتربية المهابة ما لا يخفى. * (فينبئكم) * بعد الرد الذي هو عبارة عن الأمر الممتد * (بما كنتم تعملون) * قبل ذلك في الدنيا والأنباء مجاز عن المجازاة أو كناية أي يجازيكم حسب ذلك إن خيرا فخير وإن شرا فشر ففي الآية وعد ووعيد.
* (وءاخرون مرجون لامر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم) * * (وءاخرون) * عطف على آخرون قبله أي ومنهم قوم آخرون غير المعترفين المذكورين دمرجون) * أي مؤخرون وموقوف أمرهم * (لأمر الله) * أي إلى أن يظهر أمر الله تعالى في شأنهم.
وقرأ أهل المدينة. والكوفة غير أبي بكر * (مرجون) * بغير همزة والباقون * (مرجئون) * بالهمز وهما لغتان يقال: أرجئته وأرجيته كأعطيته، ويحتمل أن يكون الياء بدلا من الهمزة كقولهم: قرأت وقريب وتوضأت وتوضيت وهو في كلامهم كثير، وعلى كونه لغة أصلية هو يائي، وقيل: إنه واوي، ومن هذه المادة المرجئة احدى فرق أهل القبلة وقد جاء فيه الهمز وتركه، وسموا بذلك لتأخيرهم المعصية عن الاعتبار في استحقاق العذاب حيث
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»