تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ٢٠٦
* (هم الخاسرون) * أي الكاملون في الخسران لأنهم خسروا أنفسهم وأموالهم.
* (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الاولين) *.
* (قل للذين كفروا أي المعهودين وهم أبو سفيان وأصحابه، واللام عند جمع للتعليل أي قل لأجلهم * (إن ينتهوا) * عما هم فيه من معاداة الرسول صلى الله عليه وسلم بالدخول في الإسلام * (يغفر لهم ما قد سلف) * منهم من الذنوب التي من جملتها المعاداة والانفاق في الضلال، وقال أبو حيان: الظاهر أن اللام للتبليغ وأنه عليه الصلاة والسلام أمر أن يقول هذا المعنى الذي تضمنته ألفاظ هذه الجملة المحكية بالقول سواء قاله بهذه العبارة أم غيرها، وهذا الخلاف إنما هو على قراءة الجماعة وأما على قراءة ابن مسعود * (إن تنتهوا يغفر لكم) * بالخطاب فلا خلاف في أنها للتبليغ على معنى خاطبهم بذلك، وقرىء * (نغفر لهم) * على أن الضمير لله عز وجل * (وإن يعودوا) * إلى قتاله صلى الله عليه وسلم أو إلى المعاداة على معنى إن داوموا عليها * (فقد مضت سنت الأولين) * أي عادة الله تعالى الجارية في الذين تحزبوا على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من نصر المؤمنين عليهم وخذلانهم وتدميرهم. وأضيفت السنة إليهم لما بينهما من الملابسة الظاهرة، ونظير ذلك قوله سبحانه: * (سنة من قدر أرسلنا) * (الإسراء: 77) فأضاف السنة إلى المرسلين مع أنها سنته تعالى لقوله سبحانه: * (ولا تجد لسنة الله تحويلا) * (فاطر: 43) باعتبار جريانها على أيديهم، ويدخل في الأولين الذين حاق بهم مكرهم يوم بدر، وبعضهم فسره بذلك ولعل الأول أولى لعمومه ولأن السنة تقتضي التكرر في العرف وإن قالوا: العادة تثبت بمرة، والجملة على ما في البحر دليل الجواب، والتقدير أن يعودوا انتقمنا منه أو نصرنا المؤمنين عليهم فقد مضت سنة الأولين، وذهب غير واحد إلى أن المراد بالذين كفروا الكفار مطلقا، والآية حث على الايمان وترغيب فيه، والمعنى أن الكفار أن انتهوا عن الكفر وأسلموا غفر لهم ما سلف منهم من الكفر والمعاصي وخرجوا منها كما تنسل الشعرة من العجين وإن عادوا إلى الكفر بالارتداد فقد رجع التسليط والقهر عليهم، واستدل بالآية على أن الإسلام يجب ما قبله، وأن الكافر إذا أسلم لا يخاطب بقضاء ما فاته من صلاة أو زكاة أو صوم أو إتلاف مال أو نفس، وأجرى المالكية ذلك كله في المرتد إذا تاب لعموم الآية، واستدل بها على إسقاط ما على الذمي من جزية وجبت عليه قبل إسلامه، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب عن مالك قال: لا يؤاخذ الكافر بشيء صنعه في كفره إذا أسلم وذلك لأن الله تعالى قال: * (أن ينتهوا) * الخ.
وقال بعض: إن الحربي إذا أسلم لم تبق عليه تبعة أصلا وأما الذمي فلا يلزمه قضاء حقوق الله تعالى وتلزمه حقوق العباد، ونسب إلى الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أن مذهبه في المرتد كمذهب المالكية في أنه إذا رجع إلى الإسلام لم تبق عليه تبعة وهو كالريح في أن من عصى طول العمر ثم ارتد ثم أسلم لم يبق عليه ذنب.
ونسب بعضهم قول ذلك إليه رضي الله تعالى عنه صريحا وادعى أنه احتج عليه بالآية وأنه في غاية الضعف إذ المراد بالكفر المشار إليه في الآية هو الكفر الإصلي وبما سلف ما مضى في حال الكفر، وتعقب ذلك بأن أبا حنيفة ومالكا أبقيا الآية على عمومها لحديث " الإسلام يعدم ما كا قبله " وإنهما قالا: إن المرتد يلزمه حقوق الآدميين دون حقوق الله تعالى كما في كتاب أحكام القرآن لابن عبد الحق، وخالفهما الشافعي رضي الله تعالى عنه وقال: يلزمه جميع الحقوق، وأنا أقول ما ذكره ذلك البعض عن أبي حنيفة في العاصي المذكور في غاية الغرابة، وفي كتب الأصحاب ما يخالفه، ففي الخانية إذا كان المرتد قضاء صلوات أو صيامات تركها
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 » »»