تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ٢٠١
وابن زيد، وجاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كل من الأقوال الثلاثة، وأيا ما كان فالجملة الاسمية في موضع الحال إلا أن القيد مثبت على الوجهين الأولين منفي على الوجه الأخير، ومبني الاختلاف في ذلك ما نقل عن السلف من الاختلاف في تفسيره، والقاعدة المقررة بين القوم في القيد الواقع بعد الفعل المنفي، وحاصلها على ما قيل: إن القيد في الكلام المنفي قد يكون لتقييد النفي وقد يكون لنفي التقييد بمعنى انتفاء كل من الفعل والقيد أو القيد فقط أو الفعل فقط، وقيل: إن الدال على انتفاء الاستغفار هنا على الوجه الأخير القرينة والمقام لا نفس الكلام وإلا لكان معنى * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فهيم) * نفي كونه فيهم لأن أمر الحالية مشترك بين الجملتين، وأطال الكلام في نفي تساوي الجملتين سؤالا وجوابا، ثم تكلف للتفرقة بما تكلف، واعترض عليه بما اعترض، والظاهر عندي عدم الفرق في احتمال كل من حيث أنه كلام فيه قيد توجه النفي إلى القيد.
ومن هنا قال بعضهم: إن المعنى الأولى لو كنت فيهم لم يعذبوا كما قيل في معنى الثانية: لو استغفروا لم يعذبوا، ويكون ذلك إشارة إلى أنهم عذبوا بما وقع لهم في بدر لأنهم أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من مكة ولم يبق فيهم فيها إلا أن هذا خلاف الظاهر ولا يظهر عليه كون الآية جوابا لكلمتهم الشنعاء، وعن ابن عباس أن المراد بهذا الاستغفار استغفار من يؤيد منهم بعد، أي وما كان الله معذبهم وفيهم من سبق له من الله تعالى العناية أنه يؤمن ويستغفر كصفوان بن أمية. وعكرمة بن أبي جهل. وسهل بن عمرو. وأضاربهم، وعن مجاهد أن المراد به استغفار من في أصلابهم ممن علم الله تعالى أنه يؤمن، أي ماكان الله معذبهم وفي أصلابهم من يستغفر وهو كما ترى، ويظهر لي من تأكيد النفي في الجملة الأولى وعدم تأكيده في الجملة الثانية أن كون النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ادعى حكمة لعدم التعذيب من الاستغفار، وحمل بعضهم التعذيب المنفي في الجملة الثانية بناء على الوجه الأخير على ما عدا تعذيب الاستئصال، وحمل الأول: على التعذيب الدنيوي والثاني: على الأخروي ليس بشيء.
* (وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أوليآءه إن أوليآؤه إلا المتقون ول‍اكن أكثرهم لا يعلمون) *.
* (وما لهم ألا يعذبهم الله) * أي أي شيء لهم في انتفاء العذاب عنهم أي لا حظ لهم في ذلك وهم معذبون لا محالة إذا زال المانع وكيف لا يعذبون * (وهم يصدون عن المسجد الحرام) * (الأنفال: 34) أي وحالهم الصد عن ذلك حقيقة كما فعلوا عام الحديبية وحكما كما فعلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى ألجأوهم للهجرة، ولما كانت الآيتان يتراءى منهما التناقض زادوا في التفسير إذا زال ليزول كما ذكرنا، وأنت تعلم أنه إذا حمل التعذيب في كل على تعذيب الاستئصال احتيج إلى القول بوقوعه بعد زوال المانع وهو خلاف الواقع، وقال بعضهم في دفع ذلك: إن التعذيب فيما مر تعذيب الاستئصال وهنا التعذيب بقتل بعضهم، ونقل الشهاب عن الحسن والعهدة عليه أن هذه نسخت ما قبلها، والظاهر أنه أراد النفيين السابقين، والذي في " الدر المنثور " أنه وكذا عكرمة والسدي قالوا: إن قوله سبحانه: * (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) * (الأنفال: 33) منسوخ بهذه الآية، وأياما كان يرد عليه أنه لا نسخ فيالإخبار إلا إذا تضمنت حكما شرعيا، وفي تضمن المنسوخ هنا ذلك خفاء، وقال محمد بن إسحق: أن الآية الأولى متصلة بما قبلها على أنها حكاية عن المشركين فإنهم كانوا يقولون: إن الله تعالى لا يعذبنا ونحن نستغفر ولا يعذب سبحانه أمة ونبيها معها فقص الله تعالى ذلك على نبيه صلى الله عليه وسلم مع قولهم
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»