وقال سيدي ابن الفارض على لسانها: وإذا سألتك أن أراك حقيقة * فاسمح ولا تجعل جوابي لن ترى ولقد أحسن بعض المحجوبين حيث يقول: إذا لم تستطع شيئا فدعه * وجاوزه إلى ما تستطيع وقال النيسابوري: المحصنات من النساء الدنيا حرمها الله تعالى على خلص عباده وأباح لهم بقوله: * (إلا ما ملكت أيمانكم) * تناول الأمور الضرورية من المأكل والمشرب * (محصنين) * أي حرائر من الدنيا وما فيها * (غير مسافحين) * في الطلب مياه الوجوه، ثم أمرهم إذا استمتعوا بشيء من ذلك بأن يؤدوا حقوقه من الشكر والطاعة والذكر مثلا، وعلى هذا النمط ما في سائر الآيات، ولم يظهر لي في البنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت والمرضعات والأخوات من الرضاع والربائب والجمع بين الأختين ما ينشرح له الخاطر وتبتهج به الضمائر ولا شبهة لي في أن لله تعالى عبادا يعرفونه على التحقيق ولكنهم في الزوايا ، وكم في الزوايا من خبايا، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل..
* (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم) *.
* (يريد الله ليبين لكم) * استئناف مقرر لما سبق من الأحكام، ومثل هذا التركيب وقع في كلام العرب قديما وخرجه النحاة - كما قال الشهاب - على مذاهب فقيل: مفعول (يريد) محذوف أي تحليل ما أحل وتحريم ما حرم ونحوه، واللام للتعليل أو العاقبة أي ذلك لأجل التبيين، ونسب هذا إلى سيبويه وجمهور البصريين، فتعلق الإرادة غير التبيين وإنما فعلوه لئلا يتعدى الفعل إلى مفعوله المتأخر عنه باللام وهو ممتنع أو ضعيف. وقيل: إنه إذا قصد التأكيد جاز من غير ضعف، وقد قصد هنا تأكيد الاستقبال اللازم للإرادة ولكن باعتبار التعلق وإلا فإرادة الله تعالى قديمة، وسمى صاحب " اللباب " هذه اللام لام التكملة وجعلها مقابلة للام التعدية. وذهب بعض البصريين إلى أن الفعل مؤل بالمصدر من غير سابك كما قيل به في - تسمع بالمعيدي خير من أن تراه - على أنه مبتدأ والجار والمجرور خبره أي إرادتي كائنة للتبيين وفيه تكلف، وذهب الكوفيون إلى أن اللام هي الناصبة للفعل من غير إضمار وإن وهي وما بعدها مفعول للفعل المقدم لأن اللام قد تقام مقام إن في فعل الإرادة والأمر، والبصريون يمنعون ذلك ويقولون: إن وظيفة اللام الجر والنصب بأن مضمرة بعدها، ومفعول - يبين - على بعض الأوجه محذوف أي: ليبين لكم ما هو خفي عنكم من مصالحكم وأفاضل أعمالكم، أو ما تعبدكم به أو نحو ذلك، وجوز أن يكون قوله تعالى: * (ليبين) * وقوله تعالى: * (ويهديكم) * تنازعا في قوله سبحانه: * (سنن الذين من قبلكم) * أي مناهج من تقدمكم من الأنبياء والصالحين لتقتفوا أثرهم وتتبعوا سيرهم، وليس المراد أن الحكم كان كذلك في الأمم السالفة كما قيل به، بل المراد كون ما ذكر من نوع طرائق المتقدمين الراشدين وجنسها في بيان المصالح * (ويتوب عليكم) * عطف على ما قبله وحيث كانت التوبة ترك الذنب مع الندم والعزم على عدم العود وهو مما يستحيل إسناده إلى الله تعالى ارتكبوا تأويل ذلك في هذا المقام بأحد أمور: فقيل إن التوبة هنا بمعنى المغفرة مجازا لتسببها عنها، أو بمعنى الإرشاد إلى ما يمنع عن المعاصي على سبيل الاستعارة التبعية لأن التوبة تمنع عنها كما أن إرشاده تعالى كذلك، أو مجاز عن حثه تعالى عليها لأنه سبب لها عكس الأول، أو بمعنى الإرشاد إلى ما يكفرها على التشبيه أيضا، وإلى جميع ذلك أشار ناصر الدين البيضاوي. وقرر العلامة الطيبي أن هذا من وضع المسبب موضع السبب وذلك لعطف * (ويتوب) * على * (ويهديكم) *