تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٢
* (والمحصن‍ات من النسآء إلا ما ملكت أيم‍انكم كت‍ابالله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مس‍افحين فما استمتعتم به منهن فااتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما) *.
* (والمحصن‍ات من النساء إلا ما ملكت أيم‍انكم) * عطف على ما قبله من المحرمات. والمراد بهن على المشهور ذوات الأزواج، أحصنهن التزوج أو الأزواج أو الأولياء أي منعهن عن الوقوع في الإثم، وأجمع القراء كما قال أبو عبيدة على فتح الصاد هنا؛ ورواية الفتح عن الكسائي لا تصح، والمشهور رواية ذلك عن طلحة بن مصرف ويحيى بن وثاب، وعليه يكون اسم فاعل لأنهن أحصن فروجهن عن غير أزواجهن، أو أحصن أزواجهن، وقيل: الصيغة للفاعل على القراءة الأولى أيضا، فقد قال ابن الأعرابي: كل أفعل اسم فاعله بالكسر إلا ثلاثة أحرف أحصن، وألفج إذا ذهب ماله، وأسهب إذا كثر كلامه.
وحكي عن الأزهري مثله، وقال ثعلب: كل امرأة عفيفة محصنة ومحصنة، وكل امرأة متزوجة محصنة بالفتح لا غير، ويقال: حصنت المرأة بالضم حصنا أي عفت فهي حاصن وحصنان بالفتح وحصناء أيضا بينة الحصانة، وفرس حصان بالكسر بين التحصين والتحصن، ويقال: إنه سمي حصانا لأنه ضن بمائه فلم ينز إلا على كريمة، ثم كثر ذلك حتى سموا كل ذكر من الخيل حصانا، والإحصان في المرأة ورد في اللغة واستعمل في القرآن بأربعة معان: الإسلام والحرية والتزوج والعفة، وزاد الرافعي العقل لمنعه من الفواحش. والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالا من المحصنات أي حرمت عليكم المحصنات كائنات من النساء، وفائدته تأكيد عمومها، وقيل: دفع توهم شمولها للرجال بناءا على كونها صفة للأنفس وهي شاملة للذكور والإناث - وليس بشيء - كما لا يخفى، وفي المراد بالآية غموض حتى قال مجاهد: لو كنت أعلم من يفسرها لي لضربت إليه أكباد الإبل أخرجه عنه ابن جرير، وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي السوداء قال: سألت عكرمة عن هذه الآية * (والمحصنات) * الخ فقال: لا أدري، وللعلماء المتقدمين فيها أقوال: أحدها: أن المراد بها المزوجات كما قدمنا.
والمراد بالملك الملك بالسبي خاصة فإنه المقتضي لفسخ النكاح وحلها للسابي دون غيره، وهو قول عمر وعثمان وجمهور الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، لكن وقع الخلاف هل مجرد السبي محل لذلك أو سبيها وحدها؟ فعند الشافعي رحمه الله تعالى مجرد السبي موجب للفرقة ومحل للنكاح، وعند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه سبيها وحدها حتى لو سبيت معه لم تحل للسابي، واحتج أهل هذا القول بما أخرجه مسلم عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أنه قال: أصبنا سبيا يوم أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية فاستحللناهن، وهذه الرواية عنه أصح من الرواية الأخرى أنها نزلت في المهاجرات، واعترض بأن هذا من قصر العام على سببه وهو مخالف لما تقرر في الأصول من أنه لا يعتبر خصوص السبب، وأجيب بأنه ليس من ذاك القصر في شيء وإنما خص لمعارضة دليل آخر وهو الحديث
(٢)
الذهاب إلى صفحة: 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»