تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٩
لاختلاف المراد بها في الموضعين، ولكل مقام مقال، وقيل: التزكية عبارة عن تكميل النفس بحسب القوة العملية وتهذيبها المتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصل بالتعليم المترتب على التلاوة إلا أنها وسطت بين التلاوة والتعليم المترتب عليها للإيذان بأن كلا من الأمور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر ولو روعي ترتيب الوجود كما في دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لتبادر إلى الفهم كون الكل نعمة واحدة، وقيل: قدمت التزكية تارة وأخرت أخرى لأنها علة غائية لتعليم الكتاب والحكمة، وهي مقدمة في القصد والتصور مؤخرة في الوجود والعمل فقدمت وأخرت رعاية لكل منهما، واعترض بأن غاية التعليم صيرورتهم أزكياء عن الجهل لا تزكية الرسول عليه الصلاة والسلام إياها المفسرة بالحمل على ما يصيرون به أزكياء لأن ذلك إما بتعليمه إياهم أو بأمرهم بالعمل به فهي إما نفس التعليم أو أمر لا تعلق له به، وغاية ما يمكن أن يقال: إن التعليم باعتبار أنه يترتب عليه زوال الشك وسائر الرذائل تزكيته إياهم فهو باعتبار غاية وباعتبار مغيا - كالرمي. والقتل - في قولهم: رماه فقتله فافهم * (ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) * مما لا طريق إلى معرفته سوى الوحي وكان الظاهر و * (ما لم تكونوا) * ليكون من عطف المفرد على المفرد إلا أنه تعالى كرر الفعل للدلالة على أنه جنس آخر غير مشارك لما قبله أصلا فهو تخصيص بعد التعميم مبين لكون إرساله صلى الله عليه وسلم نعمة عظيمة ولولاه لكان الخلق متحيزين في أمر دينهم لا يدرون ماذا يصنعون.
* (فاذكرونى أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) * * (فاذكروني) * بالطاعة قلبا وقالبا فيعم الذكر باللسان والقلب والجوارح، فالأول: - كما في " المنتخب " - الحمد والتسبيح والتحميد وقراءة كتاب الله تعالى والثاني: الفكر في الدلائل الدالة على التكاليف والوعد والوعيد وفي الصفات الإلهية والأسرار الربانية. والثالث: استغراق الجوارح في الأعمال المأمور بها خالية عن الأعمال المنهي عنها ولكون الصلاة مشتملة على هذه الثلاثة سماها الله تعالى ذكرا في قوله: * (فاسعوا إلى ذكر الله) * (الجمعة: 9) وقال أهل الحقيقة: حقيقة ذكر الله تعالى أن ينسى كل شيء سواه * (أذكركم) * أي أجازكم بالثواب، وعبر عن ذلك بالذكر للمشاكلة ولأنه نتيجته ومنشؤه، وفي " الصحيحين ": " من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه ".
* (واشكروا لي) * ما أنعمت به عليكم وهو - واشكروني - بمعنى ولي أفصح مع الشكر وإنما قدم الذكر على الشكر لأن في الذكر اشتغالا بذاته تعالى وفي الشكر اشتغالا بنعمته والاشتغال بذاته تعالى أولى من الاشتغال بنعمته. * (ولا تكفرون) * بجحد نعمتي وعصيان أمري وأردف الأمر بهذا النهي ليفيد عموم الأزمان وحذف ياء المتكلم تخفيفا لتناسب الفواصل وحذفت نون الرفع للجازم.
* (ي‍اأيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر والصلواة إن الله مع الص‍ابرين) * * (ي‍اأيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر) * على الذكر والشكر وسائر الطاعات من الصوم والجهاد وترك المبالاة بطعن المعاندين في أمر القبلة * (والصلواة) * التي هي الأصل والموجب لكمال التقرب إليه تعالى. * (إن الله مع الص‍ابرين) * معية خاصة بالعون والنصر ولم يقل مع المصلين لأنه إذا كان مع الصابرين كان مع المصلين من باب أولى لاشتمال الصلاة على الصبر.
* (ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) * * (ولا تقولوا) * عطف على * (واستعينوا) * (البقرة: 135) الخ مسوق لبيان
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»