تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٦
في استبقوا إما عام للمؤمنين والكافرين، وإما خاص بالمؤمنين فعلى الأول: يراد هنا العموم أي في أي موضع تكونوا من المواضع الموافقة للحق أو المخالفة له، وعلى الثاني: الخصوص - أي أينما تكونوا في الصلاة أيها المؤمنون من الجهات المتقابلة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا بعد أن تولوا جهة الكعبة يجعل الله تعالى صلاتكم كأنها إلى جهة واحدة لاتحادكم في الجهة التي أمرتم بالاتجاه إليها - وليس بشيء كما لا يخفى * (إن الله على كل شيء قدير) * ومن ذلك إماتتكم وإحياؤكم، وجمعكم والجملة تذييل وتأكيد لما تقدم.
* (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغ‍افل عما تعملون) * * (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام) * عطف على * (فاستبقوا) * (البقرة: 148) و * (حيث) * ظرف لازم الإضافة إلى الجمل غالبا، والعامل فيها ما هو في محل الجزاء لا الشرط فهي هنا متعلقة - بول - والفاء صلة للتنبيه على أن ما بعدها لازم لما قبلها لزوم الجزاء للشرط لأن - حيث - وإن لم تكن شرطية لكنها لدلالتها على العموم أشبهت كلمات الشرط ففيها رائحة الشرط، ولا يجوز تعلقها - بخرجت - لفظا وإن كانت ظرفا له معنى لئلا يلزم عدم الإضافة والمعنى من أي موضع خرجت فول وجهك من ذلك الموضع شطر الخ، و (من) ابتدائية لأن الخروج أصل لفعل ممتد وهو المشي وكذا التولية أصل للاستقبال وقت الصلاة الذي هو ممتد، وقيل: إن - حيث - متعلقة - بول - والفاء ليست زائدة، وما بعدها يعمل فيما قبلها كما بين في محله إلا أنه لا وجه لاجتماع الفاء والواو فالوجه أن يكون التقدير افعل ما أمرت به من حيث خرجت فول فيكون * (فول) * عطفا على المقدر، ويجوز أن يجعل - من حيث خرجت - بمعنى أينما كنت وتوجهت فيكون - فول - جزاءا له على أنها شرطية العامل فيها الشرط - ولا يخفى ما فيه من التكلف - والتخريج على قول ضعيف لم يذهب إليه إلا الفراء وهو شرطية - حيث - بدون - ما - حتى قالوا: إنه لم يسمع في كلام العرب، ثم الأمر بالتولية مقيد بالقيام إلى الصلاة للإجماع على عدم وجوب استقبال القبلة في غير ذلك.
* (وإنه) * أي الاستقبال أو الصرف أو التولية والتذكير باعتبار أنها أمر من الأمور أو لتذكير الخبر أو لعدم الاعتداد بتأنيث المصدر أو بذي التاء الذي لا معنى للمجرد عنه سواء كان مصدرا أو غيره، وإرجاع الضمير للأمر السابق واحد الأوامر على قربه بعيد * (للحق من ربك) * أي الثابت الموافق للحكمة. * (وما الله بغ‍افل عما تعملون) * فيجازيكم بذلك أحسن الجزاء فهو وعيد للمؤمنين، وقرىء (يعملون) على صيغة الغيبة فهو وعيد للكافرين، والجملة عطف على ما قبلها وهما اعتراض للتأكيد.؟؟؟
* (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * معطوف على مجموع قوله تعالى: * (ولكل وجهة) * (البقرة: 148) الخ أو على قوله تعالى: * (قد نرى تقلب وجهك) * (البقرة: 144) الخ عطف القصة على القصة وليس معطوفا على قوله تعالى: * (ومن حيث خرجت) * الداخل تحت فاء السببية الدالة على ترتبه على قوله تعالى: * (ولكل وجهة) * لأنه معلل بقوله تعالى: * (لئلا يكون للناس عليكم حجة) * وهو وإن كان علة - لولوا - لا لمحذوف - أي عرفناكم وجه الصواب في قبلتكم - والحجة في ذلك كما قيل به: إلا أنه يفهم منه كونه علة - لول - لأن انقطاع الحجة بالتولية إذا حصل للأمة كان حصوله بها للرسول صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى، ولو جعل الخطاب عاما للرسول صلى الله عليه وسلم والأمة ولم يلتزم تخصيصه بالأمة على حد خطابات الآية كان علة لهما وإنما كرر هذا الحكم لتعدد علله، والحصر المستفاد من * (إلا لنعلم) * الخ إضافي
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»