في ذلك اليوم يضحكون من الكفار حين يرونهم أذلاء مغلوبين قد نزل بهم ما نزل من العذاب، كما ضحك الكفار منهم في الدنيا، وجملة (على الأرائك ينظرون) في محل نصب على الحال من فاعل يضحكون: أي يضحكون منهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الحال الفظيع، وقد تقدم تفسير الأرائك قريبا. قال الواحدي: قال المفسرون: إن أهل الجنة إذا أرادوا نظروا من منازلهم إلى أعداء الله وهم يعذبون في النار، فضحكوا منهم كما ضحكوا منهم في الدنيا. وقال أبو صالح: يقال لأهل النار أخرجوا ويفتح لهم أبوابها، فإذا رأوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك، فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم، فذلك قوله - فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون - (هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون) الجملة مستأنفة لبيان أنه قد وقع الجزاء للكفار بما كان يقع منهم في الدنيا من الضحك من المؤمنين والاستهزاء بهم، والاستفهام للتقرير، وثوب بمعنى أثيب، والمعنى: هل جوزي الكفار بما كانوا يفعلونه بالمؤمنين؟ وقيل الجملة في محل نصب بينظرون، وقيل هي على إضمار القول: أي يقول بعض المؤمنين لبعض هل ثوب الكفار، والثواب ما يرجح على العبد في مقابلة عمله ويطلق على الخير والشر.
وقد أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر من طريق شمر بن عطية أن ابن عباس سأل كعب الأحبار عن قوله (إن كتاب الأبرار لفي عليين) قال: روح المؤمن إذا قبضت عرج بها إلى السماء، ففتح لها أبواب السماء وتلقاها الملائكة بالبشرى حتى تنتهي بها إلى العرش وتعرج الملائكة، فيخرج لها من تحت العرش رق فيرقم ويختم ويوضع تحت العرش لمعرفة النجاة لحساب يوم الدين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (لفي عليين) قال: الجنة، وفي قوله (يشهده المقربون) قال: أهل السماء. وأخرج أحمد وأبو داود والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " صلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين ". وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب في قوله (نضرة النعيم) قال:
عين في الجنة يتوضئون منها ويغتسلون فتجرى عليهم نضرة النعيم. وأخرج عبد بن حميد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وهناد وابن المنذر والبيهقي في البعث عن ابن مسعود في قوله (يسقون من رحيق مختوم) قال:
الرحيق الخمر، والمختوم يجدون عاقبتها طعم المسك. وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن المنذر عنه في قوله (مختوم) قال: ممزوج (ختامه مسك) قال: طعمه وريحه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله (من رحيق) قال: خمر، وقوله (مختوم) قال: ختم بالمسك. وأخرج الفريابي والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن مسعود في قوله (ختامه مسك) قال: ليس بخاتم يختم به، ولكن خلطه مسك، ألم تر إلى المرأة من نسائكم تقول خلطه من الطيب كذا وكذا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن أبي الدرداء (ختامه مسك) قال: هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم، ولو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل أصبعه فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريحها. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال (تسنيم) أشرف شراب أهل الجنة، وهو صرف للمتقين ويمزج لأصحاب اليمين. وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود (مزاجه من تسنيم) قال: عين في الجنة تمزج لأصحاب اليمين ويشربها المقربون صرفا.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس أنه سئل عن قوله (ومزاجه من تسنيم) قال: هذا مما قال الله - فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين -.