مصدرية، أو موصولة (وبرزت الجحيم لمن يرى) معطوف على جاءت، ومعنى برزت: أظهرت إظهارا لا يخفى على أحد. قال مقاتل: يكشف عنها الغطاء فينظر إليها الخلق، وقيل (لمن يرى) من الكفار، لا من المؤمنين، والظاهر أن تبرز لكل راء، فأما المؤمن فيعرف برؤيتها قدر نعمة الله عليه بالسلامة منها، وأما الكافر فيزداد غما إلى غمه وحسرة إلى حسرته. قرأ الجمهور " لمن يرى " بالتحتية، وقرأت عائشة ومالك بن دينار وعكرمة وزيد بن علي بالفوقية: أي لمن تراه الجحيم، أو لمن تراه أنت يا محمد. وقرأ ابن مسعود " لمن رأى " على صيغة الفعل الماضي (فأما من طغى) أي جاوز الحد في الكفر والمعاصي (وآثر الحياة الدنيا) أي قدمها عن الآخرة ولم يستعد لها ولا عمل عملها (فإن الجحيم هي المأوى) أي مأواه، والألف واللام عوض عن المضاف إليه، والمعنى:
أنها منزله الذي ينزله ومأواه الذي يأوي إليه لا غيرها. ثم ذكر القسم الثاني من القسمين فقال (وأما من خاف مقام ربه) أي حذر مقامه بين يدي ربه يوم القيامة. قال الربيع: مقامه يوم الحساب. قال قتادة: يقول إن لله عز وجل مقاما قد خافه المؤمنون. وقال مجاهد: هو خوفه في الدنيا من الله عز وجل عند مواقعة الذنب فيقلع عنه، نظيره قوله - ولمن خاف مقام ربه جنتان - والأول أولى (ونهى النفس عن الهوى) أي زجرها عن الميل إلى المعاصي والمحارم التي تشتهيها. قال مقاتل: الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها (فإن الجنة هي المأوى) أي المنزل الذي ينزله والمكان الذي يأوي إليه لا غيرها (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) أي متى وقوعها وقيامها.
قال الفراء: أي منتهى قيامها كرسو السفينة. قال أبو عبيدة: ومرسي السفينة حين تنتهي، والمعنى: يسألونك عن الساعة متى يقيمها اس، وقد مضى بيان هذا في سورة الأعراف (فيم أنت من ذكراها) أي في أي شئ أنت يا محمد من ذكر القيامة والسؤال عنها، والمعنى: لست في شئ من علمها وذكراها إنما يعلمها الله سبحانه، وهو إنكار ورد لسؤال المشركين عنها: أي فيم أنت من ذلك حتى يسألونك عنه ولست تعلمه (إلى ربك مناها) أي منتهى علمها فلا يوجد علمها عند غيره، وهذا كقوله - قل إنما علمها عند ربي - وقوله - إن الله عنده علم الساعة - فكيف يسألونك عنها ويطلبون منك بيان وقت قيامها (إنما أنت منذر من يخشاها) أي مخوف لمن يخشى قيام الساعة، وذلك وظيفتك ليس عليك غيره من الإخبار بوقت قيام الساعة ونحوه مما استأثر الله بعلمه، وخص الإنذار بمن يخشى، لأنهم المنتفعون بالإنذار وإن كان منذرا لكل مكلف من مسلم وكافر. قرأ الجمهور بإضافة " منذر " إلى ما بعده. وقرأ عمر بن عبد العزيز وأبو جعفر وطلحة وابن محيصن وشيبة والأعرج وحميد بالتنوين، ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو. قال الفراء: والتنوين وتركه في منذر صواب كقوله - بالغ أمره - - وموهن كيد الكافرين -. قال أبو علي الفارسي: يجوز أن تكون الإضافة للماضي، نحو ضارب زيد أمس (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) أي إلا قدر آخر نهار أو أوله، أو قدر الضحى الذي يلي تلك العشية، والمراد تقليل مدة الدنيا، كما قال - لم يلبثوا إلا ساعة من نهار - وقيل لم يلبثوا في قبورهم إلا عشية أو ضحاها. قال الفراء والزجاج: المراد بإضافة الضحى إلى العشية إضافته إلى يوم العشية على عادة العرب، يقولون:
آتيك الغداة أو عشيتها، وآتيك العشية أو غداتها فتكون العشية في معنى آخر النهار، والغداة في معنى أول النهار.
ومنه قول الشاعر:
نحن صبحنا عامرا في دارها * جردا تعادي طرفي نهارها * عشية الهلال أو سرارها والجملة تقرير لما يدل عليه الإنذار من سرعة مجئ المنذر به.