تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٩٥
بنصب الدلائل وارسال الرسل وانزال الكتب ووعد لهم بالثواب على حسناتهم وللوفاء بهما عرض عريض فأول مراتبه منا هو الإتيان بكلمتي الشهادة ومن الله تعالى حقن الدماء والأموال وآخرها منا الاستغراق في بحر التوحيد بحيث نغفل عن أنفسنا فضلا عن غيرنا ومن الله تعالى الفوز باللقاء الدائم وأما ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أوفوا بعهدي في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم أوف بعهدكم في رفع الآصار والأغلال وعن غيره أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر أوف بالمغفرة والثواب أو أوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم أوف بالكرامة والنعيم المقيم فبالنظر إلى الوسائط وقيل كلاهما مضاف إلى المفعول والمعنى أوفوا بما عاهدتموني من الإيمان والتزام الطاعة أوف بما عاهدتكم من حسن الإثابة وتفصيل العهدين قوله تعالى «ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل» إلى قوله «ولأدخلنكم جنات» الخ وقرئ أوف بالتشديد للمبالغة والتأكيد «وإياي فارهبون» فيما تأتون وما تذرون خصوصا في نقض العهد وهو آكد في إفادة التخصيص من إياك نعبد لما فيه مع التقديم من تكرير المفعول والفاء الجزائية الدالة على تضمن الكلام معنى الشرط كأنه قيل ان كنتم راهبين شيئا فارهبوني والرهبة خوف معه تحر زو الآية متضمنة للوعد والوعيد ودالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد وان المؤمن ينبغي ان لا يخاف الا الله تعالى «وآمنوا بما أنزلت» افرد الإيمان بالقرآن بالأمر به لما انه العمدة القصوى في شأن الوفاء بالعهود «مصدقا لما معكم» من التوراة والتعبير عنها بذلك للإيذان بعلمهم بتصديقه لها فإن المعية مئنة لتكرر المراجعة إليها والوقوف على ما في تضاعيفها المؤدى إلى العلم بكونه مصدقا لها ومعنى تصديقه للتوراة انه نازل حسبما نعت فيها أو من حيث انه موافق لها في القصص والمواعيد والدعوة إلى التوحيد والعدل بين الناس والنهى عن المعاصي والفواحش واما ما يتراءى من مخالفته لها في بعض جزئيات الاحكام المتفاوتة بسبب تفاوت الاعصار فليست بمخالفة في الحقيقة بل هي موافقة لها من حيث ان كلا منها حق بالإضافة إلى عصره وزمانه متضمن للحكم التي عليها يدور فلك التشريع وليس في التوراة دلالة على أبدية احكامها المنسوخة حتى يخالفها ما ينسخها وإنما تدل على مشروعيتها مطلقا من غير تعرض لبقائها وزوالها بل نقول هي ناطقة بنسخ تلك الاحكام فان نطقها بصحة القرآن الناسخ لها نطق بنسخها فإذن مناط المخالفة في الاحكام المنسوخة انما هو اختلاف العصر حتى لو تأخر نزول المتقدم لنزل على وفق المتأخر ولو تقدم نزول المتأخر لوافق المتقدم قطعا ولذلك قال عليه السلام (لو كان موسى حيا لما وسعه الا اتباعي) وتقييد المنزل بكونه مصدقا لما معهم لتأكيد وجوب الامتثال بالامر فإن ايمانهم بما معهم مما يقتضي الإيمان بما يصدقه قطعا «ولا تكونوا أول كافر به» أي لا تسارعوا إلى الكفر به فإن وظيفتكم ان تكونوا أول من آمن به لما انكم تعرفون شانه وحقيته بطريق التلقي مما معكم من الكتب الإلهية كما تعرفون أبناءكم وقد كنتم تستفتحون به وتبشرون
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271