تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٥٤
بعض يوم) قاله بناء على التقريب والتخمين أو استقصارا لمدة لبثه وأما ما يقال من أنه مات ضحي وبعث بعد المائة قبيل الغروب فقال قبل النظر إلى الشمس يوما فالتفت إليها فرأى منها بقية فقال أو بعض يوم على وجه الإضراب فبمعزل من التحقيق إذ لاوجه للجزم بتمام اليوم ولو بناء على حسبان الغروب لتحقق النقصان من أوله «قال» استئناف كما سلف «بل لبثت مائة عام» عطف على مقدر أي ما لبثت ذلك القدر بل هذا المقدار «فانظر» لتعاين أمرا آخر من دلائل قدرتنا «إلى طعامك وشرابك لم يتسنه» اى لم يتغير في هذه المدة المتطاولة مع تداعيه إلى الفساد روى انه وجد تينه وعنبه كما جنى وعصيره كما عصر والجملة المنفية حال بغير واو كقوله تعالى لم يمسسهم سوء اما من الطعام والشراب وافراد الضمير لجريانهما مجرى الواحد كالغذاء واما من الأخير اكتفاء بدلالة حاله على حال الأول ويؤيده قراءة من قرأ وهذا شرابك لم يتسنه والهاء أصلية أو هاء سكت واشتقاقه من السنة لما ان لامها هاء أو واو وقيل أصله لم يتسنن من الحما المسنون فقلبت نونه حرف علة كما في تقضي البازي وقد جوز أن يكون معنى لم يتسنه لم يمر عليه السنون التي مرت لا حقيقة بل تشبيها أي هو على حاله كأنه لم يلبث مائة عام وقرئ لم يسنه بإدغام التاء في السين وانظر إلى حمارك كيف نخرت عظامه وتفرقت وتقطعت أوصاله وتمزقت ليتبين لك ما ذكر من اللبث المديد وتطمئن به نفسك وقوله عز وجل «ولنجعلك آية للناس» عطف على مقدر متعلق بفعل مقدر قبله بطريق الاستئناف مقرر لمضمون ما سبق أي فعلنا ما فعلنا من إحيائك بعد ما ذكر لتعاين ما استبعدته من الإحياء بعد دهر طويل ولنجعلك آية للناس الموجودين في هذا القرن بأن يشاهدوك وأنت من أهل القرون الخالية ويأخذوا منك ما طوى عنهم منذ أحقاب من علم التوراة كما سيأتي أو متعلق بفعل مقدر بعده أي ولنجعلك آية لهم على الوجه المذكور فعلنا ما فعلنا فهو على التقديرين دليل على ما ذكر من اللبث المديد ولذلك فرق بينه وبين الأمر بالنظر إلى حماره وتكرير الأمر في قوله تعالى «وانظر إلى العظام» مع أن المراد عظام الحمار أيضا لما أن المأمور به أولا هو النظر إليها من حيث دلالتها على ما ذكر من اللبث المديد وثانيا هو النظر إليها من حيث تعتريها الحياة ومباديها أي وانظر إلى عظام الحمار لتشاهد كيفية الإحياء في غيرك بعد ما شاهدت نفسه في نفسك «كيف ننشزها» بالزاي المعجمة أي نرفع بعضها إلى بعض ويردها إلى أما كنها من الجسد فتركبها تركيبا لائقا بها وقال الكسائي نليها ونعظمها ولعل من فسره بنحييها أراد بالإحياء هذا المعنى وكذا من قرأ ننشرها بالراء من أنشر الله تعالى الموتى أي أحياها لا معناه الحقيقي لقوله تعالى «ثم نكسوها لحما» أي نسترها به كما يستر الجسد باللباس وأما من قرأ ننشرها بفتح النون وضم الشين فلعله أراد به ضد الطي كما قال الفراء فالمعنى كيف نبسطها والجملة إما حال من العظام أي وانظر إليها مركبة مكسوة لحما أو بدل اشتمال أي وانظر إلى العظام كيفية إنشازها وبسط اللحم عليها ولعل عدم التعرض لكيفية نفخ الروح لما أنها مما لا تقتضى الحكمة بيانه روى أنه نودي أيتها العظام البالية إن الله يأمرك يأمرك أن تجتمعي فاجتمع كل جزء من أجزائها التي ذهب بها الطير والسباع وطارت بها الرياح من كل سهل وجبل فانظم بعضها إلى بعض والتصق كل عضو بما يليق به الضلع بالضلع والذراع بمحلها والرأس بموضعها ثم الأعصاب والعروق ثم انبسط عليه اللحم
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271