التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ٢٨
فالمعنى لكن هؤلاء ليسوا ممن بقيت الكلمة فيهم بل متعتهم بالنعم والعافية فلم يشكروا عليها واشتغلوا بها عن عبادة الله * (حتى جاءهم الحق ورسول مبين) * وهو محمد صلى الله عليه وسلم * (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) * الضمير في قالوا لقريش والقريتان مكة والطائف ومن القريتين معناها من إحدى القريتين كقولك يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان أي من أحدهما وقيل معناه على رجل من رجلين من القريتين فالرجل الذي من مكة الوليد بن المغيرة وقيل عتبة بن ربيعة والرجل الذي من الطائف عروة بن مسعود وقيل حبيب بن عمير ومعنى الآية أن قريشا استبعدوا نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم واقترحوا أن ينزل على أحد هؤلاء وصفوه بالعظمة يريدون الرئاسة في قومه وكثرة ماله فرد الله عليهم بقوله " أهم يقسمون رحمت ربك " يعني أن الله يخص بالنبوة من يشاء من عباده على ما تقتضيه حكمته وإرادته وليس ذلك بتدبير المخلوقين ولا بإرادتهم ثم أوضح ذلك بقوله * (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) * أي كما قسمنا المعايش في الدنيا كذلك قسمنا المواهب الدينية وإذا كنا لم نمهل الحظوظ الفانية الحقيرة فأولى وأحرى أن لا نمهل الحظوظ الشريفة الباقية * (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) * وهو من التسخير في الخدمة أي رفعنا بعضهم فوق بعض ليخدم بعضهم بعضا " ورحمت ربك خير مما يجمعون " هذا تحقير للدنيا والمراد برحمة ربك هنا النبوة وقيل الجنة * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة) * الآية تحقير أيضا للدنيا ومعناها لولا أن يكفر الناس كلهم لجعلنا للكفار سقفا من فضة وذلك لهو ان الدنيا على الله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها جرعة ماء * (ومعارج عليها يظهرون) * المعارج الأدراج والسلالم ومعنى يظهرون يرتفعون ومنه " فما استطاعوا أن يظهروه " والسرر جمع سرير والزخرف الذهب وقيل أثاث البيت من الستور والنمارق وشبه ذلك وقيل هو التزويق والنقش وشبه ذلك من التزيين كقولك * (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت) * * (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا) * يعش من قولك عشى الرجل إذا أظلم بصره والمراد به هنا ظلمة القلب والبصيرة وقال الزمخشري يعشى بفتح الشين إذا حصلت الآفة في عينيه ويعشو بضم الشين إذا نظر نظرة الأعشى وليس به آفة فالفرق بينهما كالفرق بين قولك عمى وتعامى فمعنى القراءة بالضم يتجاهل ويجحد مع معرفته بالحق والظاهر أن ذلك عبارة عن الغفلة وإهمال النظر
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»