تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٢١
بالقول الثاني: كان معناه أن ماهية الحمد حق الله تعالى وملك له، وذلك ينفي كون فرد من أفراد هذه الماهية لغير الله، فثبت على القولين أن قوله الحمد لله ينفي حصول الحمد لغير الله.
فإن قيل: أليس أن المنعم يستحق الحمد من المنعم عليه، والأستاذ يستحق الحمد من التلميذ والسلطان العادل يستحق الحمد من الرعية، وقال عليه السلام: من لم يحمد الناس لم يحمد الله.
قلنا: إن كل من أنعم على غيره بأنعام فالمنعم في الحقيقة هو الله تعالى، لأنه لولا أنه تعالى خلق تلك الداعية في قلب ذلك المنعم وإلا لم يقدم على ذلك الأنعام، ولولا أنه تعالى خلق تلك النعمة وسلط ذلك المنعم عليها ومكن المنعم عليه من الانتفاع لما حصل الانتفاع بتلك النعمة، فثبت أن المنعم في الحقيقة هو الله تعالى.
الفائدة السادسة: أن قوله الحمد لله كما دل على أنه لا محمود إلا الله، فكذلك العقل دل عليه، وبيانه من وجوه: الأول: أنه تعالى لو لم يخلق داعية الأنعام في قلب المنعم لم ينعم فيكون المنعم في الحقيقة هو الله الذي خلق تلك الداعية وثانيها: أن كل من أنعم على الغير فإنه يطلب بذلك الأنعام عوضا إما ثوابا أو ثناء أو تحصيل حق أو تخليصا للنفس من خلق البخل، وطالب العوض لا يكون منعما، فلا يكون مستحقا للحمد في الحقيقة، أما الله سبحانه وتعالى فإنه كامل لذاته، والكامل لذاته لا يطلب الكمال، لأن تحصيل الحاصل محال، فكانت عطاياه جودا محضا وإحسانا محضا، فلا جرم كان مستحقا للحمد، فثبت أنه لا يستحق الحمد إلا الله تعالى وثالثها: أن كل نعمة فهي من الموجودات الممكنة الوجود، وكل ممكن الوجود فإنه وجد بإيجاد الحق إما ابتداء وإما بواسطة، ينتج أن كل نعمة فهي من الله تعالى ويؤكد ذلك بقوله تعالى: * (وما بكم من نعمة فمن الله) * (النحل: 53) والحمد لا معنى له إلا الثناء على الأنعام فلما كان لا إنعام إلا من الله تعالى، وجب القطع بأن أحدا لا يستحق الحمد إلا الله تعالى ورابعها: النعمة لا تكون كاملة إلا عند اجتماع أمور ثلاثة: أحدها: أن تكون منفعة، والانتفاع بالشيء مشروط بكونه حيا مدركا، وكونه حيا مدركا لا يحصل إلا بإيجاد الله تعالى وثانيها: أن المنفعة لا تكون نعمة كاملة إلا إذا كانت خالية عن شوائب الضرر والغم، وإخلاء المنافع عن شوائب الضرر لا يحصل إلا من الله تعالى. وثالثها: أن المنفعة لا تكون نعمة كاملة إلا إذا كانت آمنة من خوف الانقطاع، وهذا الأمر لا يحصل إلا من الله تعالى، إذا ثبت هذا فالنعمة الكاملة لا تحصل إلا من الله تعالى، فوجب أن لا يستحق الحمد الكامل إلا الله تعالى، فثبت بهذه البراهين صحة قوله تعالى الحمد لله.
(٢٢١)
مفاتيح البحث: الضرر (2)، الخوف (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»